أسامة الهتيمي
لم يكن يمرُّ أسبوعان كاملان على ما كنا قد سجَّلناه في موقع (الألوكة)، بشأن الوضع في الصومال، في أعقاب التصريحات الصحفية للرئيس الصومالي شيخ شريف شيخ أحمد لـ(بي بي سي) الصومالية، والتي كشف خلالها عن موقفه الحقيقي، ونيته المبيَّتة إزاء وضعَي جمهورية أرض الصومال، وإقليم بونت لاند، حتى حدث ما توقَّعناه، حيث سارع برلمان الإقليم الذي يتمتعُ بالحكم الذاتي في الثالث والعشرين من ديسمبر، إلى إقرار قانون جديد يسمح للإقليم باتخاذ علم ونشيد وطني جديدين؛ لتكونَ أقوى خُطوة مُعبِّرة - منذ حصل الإقليم على إدارته الذاتية عام 1998م - عن رغبة الإقليم وقياداته في تحقيق الانفصال التام عن الوطن الصومال الأم.
وكنا قد اعتبرنا - فيما سجَّلنا سابقًا - أن الرئيس شريف أخطأ التوقيت فيما يخصُّ الحديث عن أرض الصومال وبونت لاند، مؤكدين أن الحديث عن وضع الإقليمين في هذا التوقيت سيفتحُ على الحكومة بابًا من الصراع كان يُؤمَن جانبه طِيلةَ الفترة الماضية، أو على الأقل، فإن الحكومة الصومالية كانت قادرة على أن تحدَّ من آثاره السلبية، إلا أنه وبعد هذه التصريحات، فإنه من المحتمل أن يسعى الإقليمان بشكل أو بآخر، وانطلاقًا من دوافع الدفاع عن الأمن القومي باعتبارهما بلدين منفصلين، أو شبه منفصلين - إلى العمل على استمرار تردِّي الحالة الأمنية في الصومال؛ حتى لا تلتفت أيَّة حكومة حالية أو مقبلة إلى مشكلة الإقليمين.
وبالتالي فقد حاول الإقليم وقيادته تأكيد بقاء الوضع على ما هو عليه، بل واتخاذ خُطوات استباقيَّة؛ لإجهاض أيَّة خطوات مُضادة يمكن أن تنتقصَ من استقلالية الإقليم، الذي يرفض بتاتًا العودة مرةً أخرى للخضوع لسيطرة الحكومة الصومالية المركزية، التي فشلت على مدار نحو 20 عاما من تحقيق الاستقرار الأمني لأبناء الجنوب الصومالي.
وآثر الإقليم أن يُعبِّر عن هذا الموقف عبر برلمانه، الذي صوتت أغلبيته (38 صوتًا)، في مقابل (ثلاثة أصوات فقط)، على قانون النشيد والعلَم، في إشارة إلى أن هذا الموقف يعكس رغبة الأغلبية من أبناء الإقليم البالغ عددهم، نحو ثلاثة مليون ونصف المليون صومالي، وأن اتخاذ أيَّة إجراءات تتعارض مع هذه الرغبة، سيكون سببًا في استمرار القلاقل الأمنية وتوسعها، وهو الأمر الذي لا تتحمَّل الإدارة الصومالية المركزية - والتي انحصرت في الجنوب فحسبُ - تبعاته ونتائجه؛ إذ هي لم تستطع أصلاً أن تنتهي من مشاكلها الداخلية حتى الآن، وعليه فلن تكون قادرة على الدخول في حرب جديدة على جبهات أخرى، والتي يمكن أن تقضي عليها، وتزيد من عملية تفتيت المفتَّت، وتجزئة المجزَّأ.
وفي هذا السياق، فإن التصريحات المتناقلة بين الحين والآخر، والصادرة عن قيادات الإقليم، سواء جاءت على لسان رئيس البرلمان عبد الرشيد محمد حرسي، أو على لسان رئيس الإقليم محمود موسى هيرسي، أو رئيس الحكومة عبد الرحمن محمد فرولي، أو غيرهم، حول الحرص والعمل على وَحْدَة الصومال - هو من قبيل المرواغة التي تستهدف بالأساس إرسال رسالة تطمينية للقيادة الصومالية (في الجنوب)؛ للحدِّ من أيَّة تحرُّكات في الاتجاه المعاكس، وهو ما يُعطي لها مساحة زمنية؛ لتقوية الجبهة الداخلية للإقليم، بما يجعلها قادرة على مواجهة العواصف المناوئة للانفصال.
ليس من المنطقي إذًا أَخْذُ تصريحات هيرسي التي أَلمحَ فيها إلى سماح دستور الحكومة الانتقالية بإعداد نشيد وعلَم خاصين بالإقليم، مُعتبرًا أن بونت لاند رمزًا لوحدة الصومال، ويسعى إلى إنشاء حكومة صومالية، على أن ذلك يعبِّر عن الإستراتيجية الحقيقية للإقليم؛ إذ إن هذه التصريحات تأتي في حقيقتها مُعاكسة لسياسيات الإقليم على أرض الواقع، حيث يحرص الإقليم على إبرام اتفاقيات تجارية وغيرها مع الدول دون الرجوع إلى الحكومة الانتقالية، واستغلال ثرواته المحليَّة دون تدخل الحكومة الانتقالية، بل إنه عمل على أن يكون له نظام سياسي خاص، وعاصمة خاصة، وشعار خاص، ورقم دولي خاص للهاتف، ورقم آخر خاص بالإنترنت الدولي، فضلاً عن اعتبار عام 1998م هو عام الاستقلال، والذي تحقَّق فيه الانفصال عن الصومال، وهي السياسات التي تتشابه إلى حدٍّ كبير مع ما قام به الجزء الشمالي من الصومال، والذي أَطلقَ على نفسه "جمهورية أرض الصومال"، وإن كان ثَمَّةَ فارقٌ يسير بينهما، هو أن الجزء الشمالي "أرض الصومال" أعلن عن انفصاله صراحةً ودون مواربة، في حين أن إقليم بونت لاند ما زال يصرُّ على حرصه على وَحدَة الصومال، الأمر الذي ربما يعود إلى أن أوَّل رئيس للإقليم بعد تحقيق الاستقلال - وهو عبد الله يوسف أحمد - كانت طموحاته السياسية ترنو إلى أن يكون رئيسًا للصومال كلِّها، وهو ما دفعه إلى أن يوحي بأن الإقليم لا يسعى للانفصال؛ ولكنه يسعى إلى تحقيق الحكم الذاتي في إطار فيدرالية صومالية.
لكن النظر إلى الخريطة الصومالية التي تمَّ تقسيمها إلى ثلاثة أجزاء كبيرة، مع غضِّ النظر عن المحاولات المتواضعة للانفصال والاستقلال التي تجري داخل هذه الأجزاء الثلاثة - يكشف عن وجود مُخطَّط حقيقي مدعوم من القوى الإقليميَّة - وعلى رأسها إثيوبيا وكينيا - إلى تقسيم الصومال إلى دويلات صغيرة، لا يمكن لأحدها أن يشكِّل خطرًا على دول المنطقة، خاصة وأن كلا الدولتين ما زالا يحتلان أرضًا صوماليَّة منذ سبعينيات القرن الماضي.
الأخطر في المسألة: أن رغبة قيادتي بونت لاند، وأرض الصومال في الدفاع عن حقِّهما المزعوم في الانفصال - سيدفعهما إلى العمل على إبقاء حالة ضَعف الحكومة المؤقَّتة (الجنوب)، وبالتالي فإنهما سيبذلان جهدهما في تأزيم الوضع الأمني بالجنوب الصومالي، بما يجعل الحكومة الانتقالية مشغولة تمامًا في توجيه كل طاقاتها لفرضِ سيطرتها، وتحقيق الاستقرار الأمني، وهو ما سيجعلها غير ملتفتة إلى فتح ملفي بونت لاند، وأرض الصومال.
لم يكن يمرُّ أسبوعان كاملان على ما كنا قد سجَّلناه في موقع (الألوكة)، بشأن الوضع في الصومال، في أعقاب التصريحات الصحفية للرئيس الصومالي شيخ شريف شيخ أحمد لـ(بي بي سي) الصومالية، والتي كشف خلالها عن موقفه الحقيقي، ونيته المبيَّتة إزاء وضعَي جمهورية أرض الصومال، وإقليم بونت لاند، حتى حدث ما توقَّعناه، حيث سارع برلمان الإقليم الذي يتمتعُ بالحكم الذاتي في الثالث والعشرين من ديسمبر، إلى إقرار قانون جديد يسمح للإقليم باتخاذ علم ونشيد وطني جديدين؛ لتكونَ أقوى خُطوة مُعبِّرة - منذ حصل الإقليم على إدارته الذاتية عام 1998م - عن رغبة الإقليم وقياداته في تحقيق الانفصال التام عن الوطن الصومال الأم.
وكنا قد اعتبرنا - فيما سجَّلنا سابقًا - أن الرئيس شريف أخطأ التوقيت فيما يخصُّ الحديث عن أرض الصومال وبونت لاند، مؤكدين أن الحديث عن وضع الإقليمين في هذا التوقيت سيفتحُ على الحكومة بابًا من الصراع كان يُؤمَن جانبه طِيلةَ الفترة الماضية، أو على الأقل، فإن الحكومة الصومالية كانت قادرة على أن تحدَّ من آثاره السلبية، إلا أنه وبعد هذه التصريحات، فإنه من المحتمل أن يسعى الإقليمان بشكل أو بآخر، وانطلاقًا من دوافع الدفاع عن الأمن القومي باعتبارهما بلدين منفصلين، أو شبه منفصلين - إلى العمل على استمرار تردِّي الحالة الأمنية في الصومال؛ حتى لا تلتفت أيَّة حكومة حالية أو مقبلة إلى مشكلة الإقليمين.
وبالتالي فقد حاول الإقليم وقيادته تأكيد بقاء الوضع على ما هو عليه، بل واتخاذ خُطوات استباقيَّة؛ لإجهاض أيَّة خطوات مُضادة يمكن أن تنتقصَ من استقلالية الإقليم، الذي يرفض بتاتًا العودة مرةً أخرى للخضوع لسيطرة الحكومة الصومالية المركزية، التي فشلت على مدار نحو 20 عاما من تحقيق الاستقرار الأمني لأبناء الجنوب الصومالي.
وآثر الإقليم أن يُعبِّر عن هذا الموقف عبر برلمانه، الذي صوتت أغلبيته (38 صوتًا)، في مقابل (ثلاثة أصوات فقط)، على قانون النشيد والعلَم، في إشارة إلى أن هذا الموقف يعكس رغبة الأغلبية من أبناء الإقليم البالغ عددهم، نحو ثلاثة مليون ونصف المليون صومالي، وأن اتخاذ أيَّة إجراءات تتعارض مع هذه الرغبة، سيكون سببًا في استمرار القلاقل الأمنية وتوسعها، وهو الأمر الذي لا تتحمَّل الإدارة الصومالية المركزية - والتي انحصرت في الجنوب فحسبُ - تبعاته ونتائجه؛ إذ هي لم تستطع أصلاً أن تنتهي من مشاكلها الداخلية حتى الآن، وعليه فلن تكون قادرة على الدخول في حرب جديدة على جبهات أخرى، والتي يمكن أن تقضي عليها، وتزيد من عملية تفتيت المفتَّت، وتجزئة المجزَّأ.
وفي هذا السياق، فإن التصريحات المتناقلة بين الحين والآخر، والصادرة عن قيادات الإقليم، سواء جاءت على لسان رئيس البرلمان عبد الرشيد محمد حرسي، أو على لسان رئيس الإقليم محمود موسى هيرسي، أو رئيس الحكومة عبد الرحمن محمد فرولي، أو غيرهم، حول الحرص والعمل على وَحْدَة الصومال - هو من قبيل المرواغة التي تستهدف بالأساس إرسال رسالة تطمينية للقيادة الصومالية (في الجنوب)؛ للحدِّ من أيَّة تحرُّكات في الاتجاه المعاكس، وهو ما يُعطي لها مساحة زمنية؛ لتقوية الجبهة الداخلية للإقليم، بما يجعلها قادرة على مواجهة العواصف المناوئة للانفصال.
ليس من المنطقي إذًا أَخْذُ تصريحات هيرسي التي أَلمحَ فيها إلى سماح دستور الحكومة الانتقالية بإعداد نشيد وعلَم خاصين بالإقليم، مُعتبرًا أن بونت لاند رمزًا لوحدة الصومال، ويسعى إلى إنشاء حكومة صومالية، على أن ذلك يعبِّر عن الإستراتيجية الحقيقية للإقليم؛ إذ إن هذه التصريحات تأتي في حقيقتها مُعاكسة لسياسيات الإقليم على أرض الواقع، حيث يحرص الإقليم على إبرام اتفاقيات تجارية وغيرها مع الدول دون الرجوع إلى الحكومة الانتقالية، واستغلال ثرواته المحليَّة دون تدخل الحكومة الانتقالية، بل إنه عمل على أن يكون له نظام سياسي خاص، وعاصمة خاصة، وشعار خاص، ورقم دولي خاص للهاتف، ورقم آخر خاص بالإنترنت الدولي، فضلاً عن اعتبار عام 1998م هو عام الاستقلال، والذي تحقَّق فيه الانفصال عن الصومال، وهي السياسات التي تتشابه إلى حدٍّ كبير مع ما قام به الجزء الشمالي من الصومال، والذي أَطلقَ على نفسه "جمهورية أرض الصومال"، وإن كان ثَمَّةَ فارقٌ يسير بينهما، هو أن الجزء الشمالي "أرض الصومال" أعلن عن انفصاله صراحةً ودون مواربة، في حين أن إقليم بونت لاند ما زال يصرُّ على حرصه على وَحدَة الصومال، الأمر الذي ربما يعود إلى أن أوَّل رئيس للإقليم بعد تحقيق الاستقلال - وهو عبد الله يوسف أحمد - كانت طموحاته السياسية ترنو إلى أن يكون رئيسًا للصومال كلِّها، وهو ما دفعه إلى أن يوحي بأن الإقليم لا يسعى للانفصال؛ ولكنه يسعى إلى تحقيق الحكم الذاتي في إطار فيدرالية صومالية.
لكن النظر إلى الخريطة الصومالية التي تمَّ تقسيمها إلى ثلاثة أجزاء كبيرة، مع غضِّ النظر عن المحاولات المتواضعة للانفصال والاستقلال التي تجري داخل هذه الأجزاء الثلاثة - يكشف عن وجود مُخطَّط حقيقي مدعوم من القوى الإقليميَّة - وعلى رأسها إثيوبيا وكينيا - إلى تقسيم الصومال إلى دويلات صغيرة، لا يمكن لأحدها أن يشكِّل خطرًا على دول المنطقة، خاصة وأن كلا الدولتين ما زالا يحتلان أرضًا صوماليَّة منذ سبعينيات القرن الماضي.
الأخطر في المسألة: أن رغبة قيادتي بونت لاند، وأرض الصومال في الدفاع عن حقِّهما المزعوم في الانفصال - سيدفعهما إلى العمل على إبقاء حالة ضَعف الحكومة المؤقَّتة (الجنوب)، وبالتالي فإنهما سيبذلان جهدهما في تأزيم الوضع الأمني بالجنوب الصومالي، بما يجعل الحكومة الانتقالية مشغولة تمامًا في توجيه كل طاقاتها لفرضِ سيطرتها، وتحقيق الاستقرار الأمني، وهو ما سيجعلها غير ملتفتة إلى فتح ملفي بونت لاند، وأرض الصومال.
