gbha جبهة انقاذ الوطن العربى: هدم الماسونية والصهيونية للحكومات والقوى التي تقف في طريقهم

هدم الماسونية والصهيونية للحكومات والقوى التي تقف في طريقهم

الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض



في صفحة (129) من "البروتوكولات": "تذكروا من الثورة الفرنسية التي نسميها الكبرى أن أسرار تنظيمها التمهيدي معروفة لنا جيدًا؛ لأنها من صنع أيدينا ونحن من ذلك الحين نقود الأمم قدمًا من خيبة إلى خيبة، حتى إنهم سوف يتبرؤون منا لأجل الملك الطاغية من دم صهيون وهو الملك الذي نعده لحكم العالم، ونحن الآن - كقوَّة دولية - فوق المتناول؛ لأنه لو هاجمتنا إحدى الحكومات الأممية لقامت بنصرنا أخريات".

وفي صفحة (133): "ثم إن من بين مواهبنا الإدارية التي نعدها لأنفسنا موهبة حكم الجماهير والأفراد بالنظريات المؤلفة بدهاء وبالعبارات الطنَّانة وبسنن الحياة وكل أنواع الخديعة الأخرى".

في البروتوكول الرابع من "بروتوكولات حكماء صهيون" الطبعة الرابعة (ص 131): "مَن ذا ومَن يستطيع أن يخلع قوة خفية عن عرشها؟ هذا هو بالضبط ما عليه حكومتنا الآن - سنة 1897م.

إن المحفل الماسوني المنتشر في كل أنحاء العالم ليعمل في غفلة كقناع لأغراضنا، ولكن الفائدة التي نحن دائبون على تحقيقها من هذه القوة في خطة عملنا وفي مركز قيادتنا ما تزال على الدوام غير معروفة للعالم كثيرًا".

وفي البروتوكول السابع (ص 140- 141): "ويجب علينا أن نكون مستعدِّين لمقابلة كل معارضة بإعلان الحرب على جانب ما يجاورنا من بلاد تلك الدولة التي تجرؤ على الوقوف في طريقنا، ولكن إذا غدر هؤلاء الجيران فقرَّروا الاتحاد ضدَّنا فالواجب علينا أن نجيب على ذلك بخلق حرب عالمية.

إن النجاح الأكبر في السياسة يقوم على درجة السرية المستخدمة في اتباعها وأعمال الدبلوماسي لا يجب أن تطابق كلماته، ولكي نعزز خطتنا العالمية الواسعة التي تقترب من نهايتها المشتهاة، يجب علينا أن نتسلَّط على حكومات الأمميين بما يقال له الآراء العامة التي دبَّرناها نحن في الحقيقة من قبل، متوسِّلين بأعظم القوى جميعًا وهي الصحافة، وإنها جميعًا لفي أيدينا إلا قليلاً لا نفوذ له ولا قيمة يُعْتَدُّ بها، وبإيجاز؛ من أجل أن نظهر استعبادنا لجميع الحكومات الأممية في أوروبا سوف نبين قوتنا لواحدة منها متوسِّلين بجرائم العنف، وذلك هو ما يقال له: حكم الإرهاب، وإذا اتفقوا جميعًا ضدَّنا فعندئذ سنجيبهم بالمدافع الأمريكية أو الصينية أو اليابانية".

يقول الأستاذ (سرجي نيلوس) في التعقيب المطبوع مع "البروتوكولات" (ص 116- 117) مشيرًا إلى رمز اليهود بالأفعى لتحطيم دول العالم: "كل هذه الدول التي اخترقتها الأفعى قد زلزلت أسس بنيانها، وألمانيا مع قوتها الظاهرة لا تُسْتَثنى من هذه القاعدة، وقد أبقى على إنجلترا وألمانيا من النواحي الاقتصادية ولكن ذلك موقوت ليس إلا إلى أن يتمَّ للأفعى قهْر روسيا التي قد ركَّزت عليها جهودها في الوقت الحاضر، والطريق المستقبل للأفعى غير ظاهر على هذه الخريطة، ولكن السهام تشير إلى حركتها التالية نحو موسكو وكييف وأودسا، ونحن نعرف الآن جيدًا مقدار أهمية المدن الأخيرة من حيث هي مراكز للجنس اليهودي المحارب. وتظهر القسطنطينية كأنها المرحلة الأخيرة لطريق الأفعى قبل وصولها إلى أورشليم، ولم تبقَ أمام الأفعى إلا مسافة قصيرة حتى تستطيع إتمام طريقها بضم رأسها إلى ذيلها"[1].

وفي كتاب "الافاق الجديدة للسياسة العالمية ودور الشرق الأوسط"[2] (ص 360- 361): "ومثلما كان المظهر الثوري الأميركي يستهوي الآخرين فإن الثوريين الأميركيين أنفسهم أيضًا قد أصبحوا موضع اهتمام بقية الثورات، ذلك أن أميركا لم تكن مجرَّد بلد من بلدان الدنيا إنما كانت تمثِّل دولة الفكر أيضًا.

ولقد قال (بنيامين فرانكلين): حيثما تكون الحرية فهناك موطني، غير أن الشبان من ذوي الدم الفوَّار كانوا يردِّدون مع (توم بين) آنذاك: حيثما انعدمت الحرية فإن وطني هناك.

وبهذه الروح كان (توم بين) قد سافر إلى فرنسا للاشتراك في ثورتها الكبرى التي اندلعت نيرانها في 1789م وكان الشعار الثلاثي: الحرية والإخاء والمساواة هو الذي يردِّده الثوَّار الفرنسيون الذين عصفوا بالباستيل، ولم يكن هناك ما يمثل السدى واللحمة المشتركتين بين الثورتَين الأميركية والفرنسية مثل القرار الذي صوَّتت عليه الجمعية الوطنية الفرنسية بمنْح كل من (جورج واشنطن) و(توم بين) صفة مواطن فرنسي.

على أن الثورة الفرنسية قد تحوَّلت فورًا إلى ما يشبه الثورة الروسية الأخيرة في تطرُّفها على الأقل، فلقد أصابت (توم بين) صدمةٌ نفسية بسبب إعدام (ماري أنطوانيت)، بعدها أُودِع (روبسبير) السجن ثم نجا من الموت بأعجوبة، كذلك خابت آمال الأميركيين الآخرين في تلك الثورة بسبب موجة الإلحاد العارمة التي طغت هناك حيث اتَّخذ الملحدون من (نوتردام) محلاًّ لهم سمَّوه معبد العقل، وحيث اتُّخِذ رجال الدين هدفًا لسهام الحقد والاضطهاد بسبب عقيدتهم، ثم بدأت الأوهام الكاذبة تزول بعد أن أرهقت الجمعية الوطنية بدكتاتورية المقصلة، بعدها استلم (نابليون) الثورة فتوجَّهت منذ ذلك اليوم إلى أغراض تتناقض تمامًا وبدايتها الديمقراطية المتطرفة".

فقد كانت الثورة الفرنسية من تخطيطات الجمعيات السرية التي هي في أغلبها واقعة تحت سيطرة اليهود ومؤامرتهم الخفية، ومن الذين كان لهم دور مهم في قيام تلك الثورة (جمعية الشعلة) و(الجمعية البافارية) و(جمعية البناء الحر).

وإذا قارنَّا بين ما ذكره بعض المؤرخين للثورة الفرنسية ودور هذه الجمعيات المشبوهة وبين ما ورد في "بروتوكولات حكماء صهيون" تأكد لنا الصلة الوثيقة بين اليهود والثورة الفرنسية، ومَن يتأمَّل ألاعيب اليهود وأحابيلهم لا يستغرب تدبيرهم لتلك الثورة الشنيعة التي هي مثال الهدم والتخريب والقسوة.

وكانت مثلاً لثورات فظيعة جرت على منوالها، وحذت حذوها.

وفي كتاب "تاريخ الجمعيات السرية والحركات الهدامة"؛ للأستاذ محمد عنان ما يعطي دليلاً على مدى تغلغل اليهود وأصابعهم الشريرة في الثورة الفرنسية وأشباهها، وما حاكته أيدي اليهود في محافلهم الماسونية وجمعياتهم السرية ذات الأسماء والأوصاف المتعددة، وما أشبههم بطوائف الإسماعيلية والقرامطة والباطنية.

يقول الأستاذ محمد عبدالله عنان في كتابه "تاريخ الجمعيات السرية والحركات الهدامة"[3] (ص 137): "والخلاصة أن الشعلة البافارية كانت تمثِّل روحًا ثوريًّا هائلاً يضطرم بغضًا لكل نظام اجتماعي وخلقي كائن، وقد اجتهدت في أن تستخدم كل حركة أخرى يمكن أن تفيد في تحقيق غاياتها، ولم تكن مبادئ الشعلة مجموعة من ضروب الدهاء النظري فقط، بل كانت تغذي أيضًا كلَّ طريق عملية لإثارة الناس ودفعهم إلى العلماء، هذا ما أدركه (فيسهاوبت)، وبذكاء وبراعة فقد استطاع أن يستخلص من نُظُم الجمعيات الأخرى قديمها وحديثها كلَّ ما أراد من مناهج وطرق، وأن ينسقها ويستخدمها بمهارة، وقد استعرض لهذا الغرض مبادئ المانوية والفلاسفة المحدثين والإسماعيلية والفرسان واليسوعيين، ودرس مبادئ البناء الحر وفلسفة ماكيافيللي وأسرار الصليب الوردي وغيرها، وعرف فوق ذلك كيف ينتقي العناصر الصالحة لجمعيته من جميع الطبقات والأهواء والأفكار، فنجد بين أعضاء الشعلة من شاعر عبقري مثل (جيته) وغيره من أصحاب المُثُل العليا إلى أخطر دسَّاس ومتآمر وخيالي وطامع وناقم وساخط يجتمعون كلهم في حظيرة واحدة، ويعملون لغاية واحدة وكل يجهل خلافه من الآخر.

وقد رأينا أن (فيسهاوبت) لم يكن مبتدِعًا لتلك الطريقة المدهِشة، وإنما نشأتْ في المشرق وابتدعها ذكاء الفيلسوف الشرقي (عبدالله بن ميمون)، غير أن (فيسهاوبت) كان أول مَن طبَّقها في جمعية سرية أو ثورية غربية وطبقها بنجاح مدهش، ومن ثَمَّ غدت طريقة لكل جمعية سرية أو ثورية غربية أخرى، وهو ما يضع (فيسهاوبت) في صفِّ زعماء الثورة وأقطاب الهدم والنظم والجمعيات السرية".

ويقول الأستاذ محمد عنان في كتابه "تاريخ الجمعيات السرية والحركات الهدامة" أيضًا في صفحة (139- 146): "رأينا مما تقدَّم أن الهدْم الشامل غايةٌ تجثم وراء جهود كل الجمعيات السرية، سواء تلك التي قامت في المشرق لهدم الإسلام وتعاليمه بل هدم كل الأديان على الإطلاق وما حملت من نظم سياسية واجتماعية وأخلاقية، أو تلك التي قامت في المغرب لهدم النصرانية وما حملت من تعاليم ونظم ومدنية، وما أقامت من صروح للحياة العامة، وما سنَّت من شرائع وتقاليد وعُرْف.

ثم رأينا هذه الجمعيات السرية والحركات الهدَّامة الخفية قد بلغت في الغرب ذروة الاتساع والبأس في أواخر القرن الثامن عشر؛ حيث ازدهرت محافل البناء الحر في فرنسا وألمانيا واتسع شأنها واستفحل نفوذها بين جميع الطبقات، وحيث قامت الشعلة البافارية وبثَّت تعاليمها في ألمانيا وفرنسا، وبعثت لمحات من نُظُمها ونشاطها إلى البناء الحر وإلى طائفة كبيرة من الجمعيات السرية الأخرى، وحيث اندسَّ دعاة الكابالا والسحَرة إلى جميع أنحاء أوربا، وظهر أقطاب السحرة الكاباليين مثل البارون (فون افنباخ) والكونت (سان جيرمان) و(كاجليو سترو) و(فوك) والذين خلبوا مجتمعات هذا العصر بدعاويهم وشعوَذتهم، ونلاحظ أن تلك الفورة العامة التي شملت كل الجمعيات والطوائف السرية في هذا العصر قد حدثت قُبَيل الثورة الفرنسية بأعوام قليلة، وأن المجتمع الفرنسي الذي تأثَّر بروح هذه الفورة وأعراضها وتعاليمها أكثر من أي مجتمع آخر هو المجتمع الذي قام بالثورة ونفذ برنامجها الممعن في الهدم والمحو على مثل لم يشهده التاريخ.

لذلك حق علينا أن نعنى بتحديد الدور الذي قامت به الجمعيات السرية في إضرام نار الثورة الفرنسية، والآثار التي بعثتها جهودها إلى الثورة في أطوارها ووجهاتها المختلفة.

إن مؤرخ الثورة الفرنسية قلَّما يُعْنَى بتحديد هذا الدور أو الإشارة إليه، ولكن مؤرخ الجمعيات السرية لا يسعه أن يغفل الكلام عن عامل من أهمِّ العوامل التي أسبغت على الثورة صبغتها العالمية، وجعلت منها قدوة عامة لجميع الحركات الهدامة التي قامت من بعدها ونسجت على منوالها.

ولنا في حياة (ميرابو) وتصرفه دليل آخر على نشاط الجمعيات السرية في إضرام نار الثورة، فقد رأينا أن (ميرابو) داعية متحمِّس من دعاة الشعلة، ورأيناه يعمل في معظم الجمعيات السرية التي كانت قائمة في ذلك الحين، ولما تفاقم الخلاف بين نواب الطبقات وبين البلاط كان (ميرابو) من أنشط العاملين على إذكاء فورة الشعب، وبث روح الخروج والثورة في نواب الطبقات وزعماء الجماهير، بل كان أوَّل مَن رفع لواء العصيان وأشد مَن حرض على تأليف الجمعية الوطنية التي كان قيامها فاتحة النضال الحقيقي بين الشعب والملكية، ومن الصعب أن نستشف من الموقف الذي وقفه (ميرابو) عندئذ حقيقة الدور الذي أثاره وحي الشعلة وغيرها من الجمعيات السرية في ثنايا المعركة التي أخذ يضطرم لظاها بين دعاة الثورة والهدم وبين النُّظُم القديمة، ولكن أليس لانتماء (ميرابو) و(دانتون) و(بريسو) و(كاميل ديمولان) و(لافاييت) إلى محافل البناء الحر التي غلبت عليها نزعة الشعلة وتعاليم (فيسهاوبت) مغزًى مهم إذا فكرنا أن هؤلاء كانوا من أعظم قادة الثورة الفرنسية؟ بل إذا فكرنا أن (دانتون) و(بريسو) كانا من أعظم دعاة الهدم والمحو، وأن (كاميل ديمولان) كان أول من دفع الشعب إلى حمل السلاح والوثوب بالباستيل، بل أن خطة الثورة كلها قد وجدت مدوَّنة في وثيقة وُجِدت بين أوراق (ميرابو) على ما جاء في نشرة ظهرت في سنة 1791 عنوانها (خفايا المؤامرة).

وناشر هذه الرسالة يقرر أن الوثيقة المذكورة وعنوانها ملخص أو مشروع ثورة المسيو (دي ميرابو) قد ضُبِطت في منزل مدام (كاي) زوج ناشر كتب (ميرابو) وذلك في 6 أكتوبر سنة 1789م، وتفتتح هذه الوثيقة بحملة مُرَّة على الملكية الفرنسية ثم يقول كاتبها: "ويجب من أجل أن نظفر بذلك المارد الجبار أن نقوم بما يأتي:
يجب أن نسحق كلَّ النُّظُم، وأن نلغي كلَّ القوانين، وأن نمحو كلَّ السلطات، وأن نترك الناس في فوضى وقد لا تنفذ القوانين التي نسنُّها في الحال، ولكنا متى رددنا السلطة إلى الشعب فإنه سوف يقاتل من أجل حريته التي يعتقد أنه يقاتل لصونها، ويجب أن نغضي عن كبرياء الأفراد، وأن نعلق آمالهم وأن نَعِدَهم بالسعادة متى بدأ عملنا، ويجب أن نجانب أهواءهم وما تمليه إرادتهم؛ لأن الشعب مُشَرِّع شديد الخطر فهو لا يسن من القوانين إلا ما يتَّفق مع شهواته، هذا فضلاً عن أن قصوره في المعرفة يُفْضِي إلى الخطأ والتطرف، ولكن لما كان الشعب آلة يحرِّكها المشرِّعون طبق إرادتهم فمن الضروري أن نستخدمه لتأييدنا، وأن نحمله على بُغْض كل ما نرمي إلى هدمه، وأن نغذيه بالخيالات والأوهام، كذلك يجب أن نشتري كل الأقلام المرتزَقة التي تبثُّ مبادئنا، والتي تعرف الشعب أعدائنا الذين نهاجمهم رجال الدين مثلاً وهم أقوى الطوائف تأثيرًا في الرأي العام، لا يمكن هدمهم إلا بالسخرية من الدين والتشهير بأقطابه وتصويرهم أوغادًا منافقين؛ ذلك لأن محمدًا مهد لإنشاء دينه بالطعن في الوثنية التي كان يعتنقها العرب، ومن الواجب أن تقوم النشرات القاذفة في كل وقت بحملات جديدة على رجال الدين فنبالغ في تصوير ثرائهم ونعيمهم، وننسب إليهم كل الرذائل والمفاسد، فالقذف والقتل والكفر كلها مباحة في أوقات الثورة.

ثم يجب أن نُشِين من قدر النبلاء، وأن نرجعهم إلى أصل ساقط، وأن نبثَّ فكرة مساواة لا يمكن تحقيقها ولكنها تكون ملكًا للشعب، كذلك يجب أن نطارد المتعنِّتين وأن نحرقهم وأن نحطِّم ثرواتهم حتى تردع الباقين، فإذا لم نَفُزْ بسحْق هذه النزعة فإنا نضعها، والشعب ينتقم لكبريائه وغيرته بارتكاب صنوف الإفراط والتطرف التي تجرُّه إلى الخضوع والاستسلام.

ثم تأتي الوثيقة بعد ذلك على دور الجند فتصف كيف يجب إغراؤهم وحملهم على العصيان، ثم تصف القضاة بأنهم ظلَمة فُجَّار... وتقرر عن مناهج الثورة بما يأتي: ماذا تهم الفرائس وعددها؟ وماذا يهم التخريب والإحراق والنهب والسفك وكل ما تقتضيه الثورة؟ يجب أن لا نقدس شيئًا وأن نأتمَّ بقول ميكافيللي: بماذا تهمُّ الوسائل ما دامت تفضي إلى الغاية؟

ثم يقول الأستاذ محمد عنان معقِّبًا على هذه الوثيقة: "ليس ثمة ما يؤيد هذه الوثيقة من الوجهة التاريخية، ولا ما يؤكِّد نسبتها إلى (ميرابو)، ولكن أليس فيما ورد فيها كثيرًا مما نستشف من حوادث الثورة من مناهج وخطط؟

على أن هناك ما يدل على أن هذه الوثيقة وغيرها من الوثائق التي وُجِدت بين أوراق (ميرابو) والتي تلقي ضياء كبيرًا على اتصاله بالشعلة البافارية والبناء الحر تؤيِّد أنه كان ثمة مؤامرة كبيرة دبرت في أقبية الجمعيات السرية لإضرام نار ثورة عامة تكون فرنسا مهدها ومسرحها الأول، فقد ذكر (ديشان) مثلاً أن (أدريان ديبور) تلا في 21 مايو سنة 1790 على لجنة الدعوة مشروعًا هائلاً للهدم جاء فيه: لقد قرَّر المسيو (ميرابو) أن الثورة السعيدة التي وقعت في فرنسا يجب أن تكون بالنسبة لجميع شعوب أوربا يقظة الحرية وللملوك سبات الموت، وأن (ديبور) لم يرَ رأي (ميرابو) في الاقتصاد مؤقتًا على الاهتمام بما يدور في فرنسا من الحوادث، بل قرَّر أنه يعتقد أن ظفر الثورة الفرنسية يجب أن يُفْضِي حتمًا إلى هدم كل العروش، وعلى ذلك فيجب أن نسارع إلى أن نضرم لدى جيراننا ثورةً كالتي تسير الآن في فرنسا.

ويصف (ديشان) (أدريان ديبور) هذا بأنه من أقطاب أعضاء الجمعيات السرية، وممن يقبضون على جميع خيوط مؤامرات البناء الحر".

أليست هذه فكرة الثورة العالمية بعينها؟
وإليك ما يقوله (لومباردي لانجر) مؤرخ اليعقوبيين عن علاقة الثورة وزعمائها بالجمعيات السرية: "كان في فرنسا في سنة 1790م نيف وألف محفل تنتمي إلى المشرق الأعظم وتضمُّ من الأعضاء أكثر من مائة ألف، وكانت الحوادث الأولى من سنة 1789م ترجع إلى تدبير البناء الحر وحده، وكان جميع ثوَّار الجمعية الدستورية من أعضاء المرتبة الثالثة التي نضع بين أعضائها: (الدوق دورليان)، (فالانس)، (سيلري)، (لاكلو)، (بيسيون)، (مينو)، (بيرون)، (فوشيه)، (كوندرسيه)، (لافاييت)، (ميرابو)، (رابو)، (ديواكرانسيه)، (تيبو)، (لاروشفوكول) وغيرهم.

ومن هؤلاء الغير: بريسو وزملاؤه الذين كانوا الجيرونديين، وكذلك أقطاب الإرهاب؛ أعني: مارات وروبسبير ودانتون وديمولان.

والعناصر المتطرفة المُمْعِنة في الهدم أو بالحرب أقطاب الإرهاب هم الذين غلبوا العناصر المعتدلة الخيالية من البناء الحر على أمرها، وأخضعوها لصولة النزعة الوثَّابة الكاسحة.

ويروي (دي لانجر) أيضًا أن أولئك الزعماء الثوريين عملاً بتقاليد السفلة كانوا ينتحلون لأنفسهم أسماء قديمة؛ فكان (شوميت) يعرف باناكساجوراس وكاوتس باناكراسيس، و(دانتون) بهوراس، و(لاكروا) بليكولا ونحوها، كما كان (فيسهاويت) ينتحل اسم (سبارتاكوس)، وسفاك اسم كانو، والبارون (فون نيجه) اسم فيلو، وهلُمَّ جرًّا، فأقطاب الإرهاب وقادة الهدم في الثورة الفرنسية هم كما ترى أبناء الشعلة قولاً وفعلاً، بيد أن المدهش ما يقرِّره (دي لانجر) أيضًا من أن أولئك القادة الهدَّامين لم ينفذوا على ما يظهر إلى أعماق أسرار الشعلة وإلى غاياتها القصوى والأخيرة، وأنهم مع تحقيقهم لكثير مما احتواه برنامجها العملي - لم يكونوا سوى منفذيه الخارجيين، وأن وراء المؤتمر الوطني والمحكمة الثورية ولجنة السلام العام وغيرها من آلات الثورة والإرهاب كانت تجثم جمعية تُمْعِن في الاختفاء والتكتُّم هي التي كانت تدير الأمور منذ بداية الثورة، وكانت هذه قوة سرية هائلة قوامها أعظم دعاة الشعلة، ولم يكن المؤتمر الثوري سوى عبد لها وآلة في يدها، وكانت فوق (روبسبير) وفوق كل لجان الحكومة.

وهذه القوة الخفية هي التي استولت على أموال الأمة وقسَّمتها بين الإخوة والأصدقاء الذين عضَّدوا العلم العظيم".

وبقدر ارتباط الثورة الفرنسية بمخططات اليهود فإنها تلتقي مع الشيوعية في مناهضتها للدين، واعتباره في حسابها عائقًا عن التقدُّم والنهوض، فهي إذًا ثورة موجَّهة ضد الدين.

يقول الشيوعي الدكتور (نديم البيطار) في كتابه "من النكسة إلى الثورة" (ص 158- 159): "منذ أكثر من مائتي عام أدرك الثوريون في الغرب أن الثورة تعني: تحرير المجتمع من الدين، ولكن الفكر العربي الثوري لا يزال يتجاهل هذا الواقع تجاهلاً تامًّا، في بداية العهد الثوري الحديث بداية الثورة الفرنسية حدد (بريسو) هذا الطابع الثوري العام عندما وقف في الجمعية العامة وأعلن: إن عدونا الأول ليس الأرستقراطية، ليس الملك وليس الكنيسة، بل هو أولاً الدين الذي يقف وراء الملك والأرستقراطية والكنيسة، وفي اجتماع شعبي عام أثناء تلك الثورة أخذ (شاليه) الصليب وداسه في الأرض وصرخ في الجماهير: "إن الاستبداد بالجسد قد تكسر، والآن يجب أن نحطم الاستبداد بالأرواح"، عندما أعدمت تلك الثورة (لويس السادس عشر) لم تعدمه كفرد أو ملك، بل أرادت في عبارة (سان جوست) إعدام المبدأ الذي يقف وراءه أيُّ المبدأ الديني، إن جميع التيارات الثورية في القرن التاسع عشر كانت مهما اختلفت وتباينت تطرح كما كتب (برودون) قضية الثورة كنقيض للدين".

يقول الأستاذ (عجاج نويهض) في ملحقاته للبروتوكولات ج2 (ص 238): "فعلينا الآن أن نسأل: أممكن أن نعلم شيئًا من صحة قول (نابليون) الذي قاله بعد هذا التاريخ بأكثر من قرنين من الزمن: "فتش عن المرأة"، ولو كانت "البروتوكولات" ظهرت في حياته لقال: فتش عن المرأة اليهودية، أو اقرأ "البروتوكولات"؛ إذ (نابليون) نفسه انقلب عليه اليهود بالتالي وكانوا أكبر عامل خفي في هزيمته النهائية في معركة (واترلو) في بلجيكا سنة 1815م.

وفي "البروتوكولات" تبجَّح يهودي بأن مهندسي الثورة هم يهود، والثورة الفرنسية كانت عواملها الخفية بيد الجمعيات السرية، وكان مركز هذه الجمعيات في ألمانيا".

وفي كتاب "اليهودية العالمية وحربها المستمرة على المسيحية" (ص 55- 59): "إن الاعتقاد السائد لدى اليهود تبعًا لنصوص التلمود أنهم إذا لم يضعوا دم المسيحي في خبز الفطير في عيد الفصح فإن الفطير ينتن، ودم المسيحي ضروري؛ لأنه تذكار لما أمر الله به بني إسرائيل بأن يلطخوا أبواب بيوتهم بدم الحمل المذبوح بعيد الفصح عندما كانوا تحت عبودية فرعون، ثم هم يستعملون هذا الدم في الرش على طاولات الطعام قبل العشاء السري، ويضعون منه قليلاً في الخمر ثم يلعنون الديانة المسيحية، وقد شرح ذلك الكاتب الفرنسي (هنري ديبورت) في كتابه "سر الدم لدى اليهود في جميع الأزمان"، وسر الدم المكتوم لا يبوح به أحد من اليهود بل يبقى في خفايا صدورهم محرمًا على أقلامهم وألسنتهم، وإذا اضطر أحدهم إلى ذكره في مؤلف كان ذلك تحت إشارات رمزية لا يفهمها أحد سواهم كأن يقولوا: ديكًا، ويقصدون به طفلاً.

وقد اكتفى الحاخامات الذين رفضوا المعتقد التلمودي بالقول: إن اليهود يستنزفون دماء المسيحيين، ولكن لم يَقُل أحد منهم كيف ولماذا وذلك خوفًا من أن ينالهم أذى اليهود.

حاخام متنصر يفشي السر:
ويقول الحاخام (ناوفيطوس) التارك المذهب العبراني والداخل في الدين المسيحي ترجمة (توماس ببخادي البغدادي) - مكتبة تونس الخضراء: "ولا أقصد خدمة الدين المسيحي في إشهاره، بل أريد تنبيه المسيحيين حتى لا يقعوا في الفخاخ التي ينصبها لهم اليهود ليلقوهم في الحُجُب التي لا تخترقها الأبصار، وهناك حيث لا يسمع لهم صوت أنين ولا تستجاب لهم استغاثة يستنزفون دماء عروقهم بصورة لا يستطيع أن يراها إنسان ولا حيوان إلا مَن تكون المبادئ التلمودية جرت في عروقه.

وها أنا الآن بعد اطراحي ونبذي هذه المبادئ تنبض فريصتي وتأخذني القشعريرة من مجرد مرور صورة تلك المشاهد في وهمي، مع أني حين كانت مبادئ التلمود راسخة في فكري ومقبولة لديَّ كنت أمارس بيدي هذه الراجفة الآن والقوية حينئذ طريقة استنزاف الدم.

أي نعم، إن هذه اليد التي كانت تحمل المدية وتتدنس بسفك الدم الزكي لا تتطهر إلا بأخذ القلم وإظهار هذا السر.

وبهذه الاعتبارات أفشي هذا السر متمنيًا أن يقع ما أكتبه تحت كل نظر، وينزل في كل سمع، ويدركه كل فكر، وملتزمًا سبيل السذاجة والصدق مؤيدًا قولي بإثباتات ظاهرة وبراهين واضحة فأقول: ليعلم أن هذا السر لا يعلمه إلا الرؤساء والحاخامات والكَتَبة والفريسيون المعروفون باسم (خاسيدوم)، وهؤلاء يكتمونه في أخفى طيَّات صدورهم عن سواهم من اليهود ومن كل بني الإنسانية، وهم ذواتهم لا يستلمه أحد منهم إلا بعد الأيمان المغلظة بحفظه مكتومًا كل الكتمان حتى ولو كان فوق رؤوسهم السيف وتحت أقدامهم النطع".

أسباب استنزاف اليهود دم المسيحيين:
وأما الأسباب التي من أجلها يستنزف اليهود دم المسيحيين فثلاثة:
الأول: البغض الشديد الذي ينمو في صدور اليهود ضدَّ المسيحيين قبل أن ترفع عنهم لفائفهم وهم يدرجون ويلعبون في أزقَّة حاراتهم المنقطعة على حِدَة في الغالب، ولذلك فهم يعتبرون دم أحد المسيحيين مسفوكًا في أيديهم ضحية لله وقربانًا كما سبق للمسيح، وأعلن ذلك لتلاميذه حيث قال: إنه سيأتي ساعة يظن فيها كل مَن يقتلكم أنه يقرب قربانًا لله (يوحنا ص 18 عدد 2).

الثاني: هو اعتقادات اليهود المبنية على الوهْم والباطل التي تُصَوِّر لهم أن الدم المسيحي ذو فعل في بعض أعمال سحرية يعلمها رؤساؤهم وحاخاماتهم، متَّخذين هذا الدم فيها بمقام التعاويذ والرُّقى وغير ذلك من الجهالات التي لم يبدِّد ظلماتها إلى الآن نور التمدُّن العصري، بل قدر هؤلاء الحاخامات أن يبقوها في قوتها القديمة توصُّلاً إلى حفظ العصبية القومية بين اليهود المبنية على مبادئ حب الذات والانفراد بجمع المقتنيات كما يشاهد في أسرار اجتماعهم.

الثالث: هو اعتقاد الرؤساء والحاخامات الداخلي بأن المسيح الذي صلبه اليهود هو المسيح الحقيقي المنتظَر، إنما لا يوافق وجود هيئة اجتماعهم الإقرار بهذه الحقيقة، ولذلك فهم يجمعون رأيًا على وجوب إحراز الدم المسيحي لاستعماله في بعض الطقوس الدينية على أفراد الأمة والنجاة من الهلاك بواسطة تطهرهم به، ثم إن للحاخامات مبدأ آخر وهو أن مقتنيات المسيحيين حلال لهم كدمهم، وذلك لاعتقادهم أنه سيصحبهم يوم يكون فيه أرباب هذه الأموال.

من دلائل كراهية اليهود الشديد للمسيحيين:
ثم يقول بعد أن يصف بغض اليهود للمسيحيين، مدللاً على ذلك بإشاراتهم ورموزهم وأفعالهم: ومَن شاء أن يقف على شدة كراهية اليهود للمسيحيين وعلى ما يكتمون لهم بنوع خاص وللأمم السائرة عمومًا - فعليه بمطالعة الرأس الثالث والثلاثين من تأليف (بولس الطبيب) ففيه الكفاية، فيستعمله اليهود في كثير من طقوسهم الدينية منها الزيجة، وذلك بأن يصوم العروسان من المساء إلى المساء عن كل شيء، وبعد عقد الزيجة يناولهما الحاخام بيضة مسلوقة فيأكلانها بعد أن يغمسانها برماد الكتان المشرب قبلاً من الدم المسيحي، أما هذا الرماد فهو محفوظ عند الحاخامات وهو الذي يحفظون فيه الدم المسيحي؛ لأنه بعد استنزاف هذا الدم تبل به قطعة من الكتان حتى تشربه وتحرق بعد ذلك ويحفظ رمادها في حقاق تُرْسَل من بلاد إلى بلاد؛ حيث لا يمكن لليهود في كثير من الجهات أن يستنزفوا هذا الدم، فيستعين بعضهم ببعض على اقتنائه الشديد اللزوم في الطقوس الدينية.

وعندما يأكل العروسان البيضة مسلوقة بالدم المسيحي يتلو عليهما الحاخام بعض آيات مالها أن العروسين يكتسبان بمجرد هذه البيضة الملوَّثة بالدم القوة على إيقاع المسيحيين في فخاخ الغش ومصائد الخداع، ويتمكَّنان بواسطة مزج هذا الدم بدمهم من الظهور بمظهر الإخاء مكرًا وخديعة في سبيل اجتناء ثمار الأغراس المغروسة بقوة إيمانهم والمسقاة بعرق جبهاتهم".

ويقول في موضع آخر: "إن التلمود يوجب على كل يهودي أن يلعن في كل يوم النصارى ثلاث مرات، ويطلب من الله أن يبيدهم ويفني ملوكهم وحكَّامهم، ويوجب عليهم سلب ما استطاعوا من مقتنياتهم بأية طريقة كانت (سفر 6 فصل 8 بند 9)، أما مع الوثنيين فلا تفعلوا لا خيرًا ولا شرًّا، وأما مع النصارى فابذلوا كل جهدكم في سفك دمهم، وإذا شاهد يهوديٌّ مسيحيًّا على حافَّة هوَّة فليرمِ به إلى أسفل (سفر 2 فصل 9 بند 6).

لأن ممالك النصارى هي أكثر نجاسة من جميع الممالك، وحرام على اليهودي الخدمة عند الحاكم الوثني، وأما عند الحاكم النصراني فغير جائزة أصلاً وجريمة لا تغتفر (9 فصل 1 بند 9).

وكنائس النصارى كبيوت الضالين ومعابد الأصنام يجب على اليهود خرابها، وأناجيل النصارى عين الضلال والنقص، ويجب على اليهود إحراقها ولو كان اسم الله مدوَّنًا فيها.

البابا يحرم على المسيحيين الاستخدام لدى اليهود:
وقد أصدر البابا (اينو سنته) (Innocent) سنة 1244م أمرًا حرَّم فيه على المسيحيين الاستخدام عند اليهود، وأَوْعَز إلى ملك فرنسا بإحراق التلمود، وهذا نص بعض كلامه:
إن ما يسميه اليهود تلمودًا هو عندهم كتاب عظيم الأهمية، وهو يتضمَّن بصراحة شتائم لله ويحتوي على خليط قصص وسوء تحريف وحماقات لم يسمع بمثلها، وقد كان علماء كلية باريس فحصوا إتمامًا لأمر سلفنا البابا (غريغوريوس) الطيب الذكر هذا الكتاب كتاب الخرافات والترَّهات وكذلك غيره من الكتب في جميع تفاصيلها، وإخزاءً لليهود أحرقوها أمام الشعب جميعًا وأمام أرباب الكهنوت، كما أنبأتنا بذلك رسالتهم... إلخ.

وفي كتاب "اليهودية العالمية وحربها المستمرة على المسيحية" (ص 171- 173) بعنوان (أفكار التلمود وتعاليمه): "وفي كتاب "العدوان الثلاثي" من سلسلة (اخترنا لك) للدكتور: محمد القصاص: إن الأفكار والتعاليم التي احتواها التلمود كان اليهود يتناقلونها باللسان مخافة أن يطلع عليها غيرهم إلى أن كان القرن الثالث الميلادي فعقدوا العزم على تسجيلها في كتاب، وأول مَن قام بهذا العمل حبر من أحبارهم اسمه (يهوذا القديس)، وقد قضى ثلاثين عامًا من حياته في كتابة (المشنا) التي تعتبر أساس التلمود المقدس، ومن بعده توفر الأحبار فرادى وجماعات على تكميله حتى قرب من تمامه في القرن الرابع والخامس الميلادي، وفي نحو هذا التاريخ كانت لجان أخرى من بابل تقوم بكتابة (الجيمارا) وشروحها وتعليقاتها وهي نواة التلمود البابلي، ومن هذين المؤلَّفين: (المشنا) و(الجيمارا) ومن الشروح والتعليقات التي لم يكفِ اليهود طوال العصور الوسطى عن إضافتها إليهما يتكون التلمود.

وهناك طبعات عدة من التلمود أقدمها طبعة البندقية سنة 1520م وتتكون من اثني عشر مجلدًا وأُعِيد طبعها دون تعديل في البندقية سنة 1550م، ولكن هاتين الطبعتين أدَّتا إلى وضع اليهود في أحرج موقف من جرَّاء الأفكار والفقرات التي تكشف عن نوايا اليهود وأفكارهم وأخلاقهم بعد أن أخذت تتسرَّب إلى أسماع العالم غير اليهودي، ولذلك صدرت الطبعة التالية في بازل سنة 1581م خالية من الفقرات التي تدمغ اليهود بشكل خاص، واكتفي بطبع هذه الفقرات منفصلة وتوزيعها على الإسرائيليين لحشرها بين صفحات التلمود في الأماكن التي انتزعت منها، ولكن ثارت شكاوى أخرى على إثر ظهور طبعتي أمستردام سنة 1600م وكاراكوفيا سنة 1605م فاجتمع أحبار اليهود في صورة مجمع مقدَّس، وقرَّروا حذف الفقرات المريبة في كل طبعة تظهر في المستقبل، وقالوا في مقدمة قرارهم ما نصه: ولذلك نقرر إصدار الحرمان ضد كل شخص يجرؤ على أن يثبت في الطبعات المستقبلة (للمشنا) و(الجيمارا) كل ما يعتبر طعنًا مباشرًا في عيسى أو في أديان الأمم الكثيرة الأخرى، ونقرر أن يترك مكان هذه الفقرات خاليًا؛ حتى يستطيع اليهود بعد ذلك أن يثبتوها فيه بخط أيديهم، أو أن يوضع في مكان كل منها دائرة هكذا لتشير إلى الحذف مع التنبيه على الأحبار ومعلمي المدارس أن يكتفوا بتلقينها للشباب والتلامذة شفهيًّا، وبهذه الوسيلة نستطيع أن نصل إلى أهدافنا دون إثارة الأعداء علينا.

وقد طبق هذا القرار بحذافيره في الطبعات التي ظهرت بعد ذلك مثل طبعة أمستردام سنة 1644م، وفرانكفورت سنة 1697م و1715م و1721م، وسالسباخ سنة 1769م، وبراغ سنة 1839م، وفرسوفيا سنة 1863م؛ ولكن بالرغم من كل هذا الحذف والتطهير المتتابعين، فإن هذه الطبعات لا تزال زاخرة بالفضائح والشنائع المخجلة.

وفي كتاب "اليهودية العالمية وحربها المستمرة على المسيحية" (ص 65) بعنوان (الذبائح التلمودية): "ضحايا الذبائح التلمودية من المسيحيين في الشرق الأوسط كثيرة، ولكن فقدان الصحف فيه قبل قرنين أو ثلاثة، وعدم إقبال الكتَّاب على تسجيل ذلك في كتب أو كراسات خاصة - طمَس معالم جرائم يهودية كثيرة كان ضحاياها من الأطفال المسيحيين.

ولكن نشأة الصحف السيارة بعد ذلك جعلت تسجيل أهم الوقائع والأحداث تنقل الرأي العام في ذلك الزمان.

ومن الذبائح التلمودية التي سجَّلتها الصحف في سوريا ولبنان ومصر، وشغلت وقائعها الرأي العام ما جمعه (حبيب فارس) (اللبناني الأصل) في كتابه "صراخ البري في بوق الحرية والذبائح التلمودية" المطبوع بالمطبعة الجامعة بمصر في 10 يوليو سنة 1891م، وفي الكتاب المذكور أيضًا في صفحة (125- 126): ويروي المؤرخ اليهودي (يوسيفوس) الشهير الذي وُلِد سنة 37 مسيحية، وتُوُفِّي في رومية سنة 95 متكلمًا عن (أنطيوخوس الرابع) الملقب بـ(إيفان) فاتح مدينة أورشليم والذي تبوَّأ عرش الملك سنة 174 قبل المسيح.

إن هذا الملك اليوناني لما دخل المدينة المقدسة، وجد في أحد محلات الهيكل رجلاً يونانيًّا كان اليهود قد ضبطوه ووضعوه مسجونًا بمكان، وقدموا له أفخر المأكولات حتى يأتي يوم يخرجون به لإحدى الغابات حيث يذبحونه ويشربون من دمه، ويأكلون شيئًا من لحمه، ويقدمونه محرقة وينثرون رماده بالفلاء عملاً بشريعة لا يجوز عندهم مخالفتها وهي أن يأخذوا في كل سنة يونانيًّا وبعد أن يطعموه مُدَّة أفخر المآكل ليسمن يعدونه لإتمام الوصية، وأن هذا المسجون استرحم من الملك أن ينقذه فأنقذه.

ويقول (بلينوس) المؤرخ الروماني: لقد استمرت الذبائح البشرية قربانًا حتى سنة 95 ميلادية، رغمًا عن كونها أبطلت بقرار روماني من سنة 658 قبل المسيح على أنه بعد إبطالها علنًا أعادها حاخامات اليهود فأحيوها سرًّا بما سنوه في مجامعهم.

ومن عهد (بيلاطس البنطي) حتى يومنا هذا ما زالت الذبائح التلمودية المرعبة تتعاقب بالرغم من كل مقاومة أدبية ومادية من قِبَل العنصر المتمدن ومن قِبَل الحكومات.

وقال الأستاذ (عجاج نويهض) في تعليقاته على "البروتوكولات" ج 2 (ص 222- 223) بعنوان (كتاب (جاكوب برافمان) من نوع البروتوكولات) ظهر سنة 1869م.

في سنة 1869م وضع (جاكوب برافمان) كتابًا شرح فيه أسرار هذه الهيئات، وما تمارسه من وسائل لإبقاء الجو التلمودي مسيطرًا على أذهان اليهود سيطرة مخيفة، فكان كتاب برافمان هذا أشبه بظهور البروتوكولات بعد هذا الوقت بنحو 39 سنة تفضح حكماء صهيون في مؤامراتهم على الأديان المسيحية والإسلام والممالك الأوروبية والبابوية، ثم المملكة العثمانية.

ثم اختفى كتاب برافمان اختفاء عجيبًا ولا وجود له اليوم إلا في مواضع الله أعلم بها، وبقيت الصحافة الروسية مُدَّة طويلة تنشر أشياء غريبة من كتاب برافمان حتى اختفى وغاب، ولكي يقلل اليهود من أمر هذا الكتاب الفاضح لهم اخترعوا قولاً وراحوا يذيعونه بمختَلَف وسائل النشر من أن برفمان اعتنق اليهودية اعتناقًا مصطنعًا ثم ارتدَّ عنها، وما كتب هذا الكتاب إلا طلبًا للشهرة لنفسه، والنقَّاد يرفضون هذا القول ويعتقد فريق منهم أن كتاب برافمان تناول أسرار الذبائح البشرية غير أن هذه المحاولة لإطفاء نار الفضيحة لم تجد (القهاليين) شيئًا؛ ذلك لأن ما يشاهده الناس من أمور (القهالة) لا يمكن إخفاؤه، وجُلَّ ما أتى به كتاب برافمان أنه كشف الغطاء كجريمة فظيعة وقعت وظلَّت تفاصيلها مبهمة، والتهم تدور حول زيد وعمرو حتى صاح التحقيق: هذه هي الجريمة وتصويرها وهؤلاء هم المجرمون.

وأيضًا ما وقع لبرافمان وقع مثله في أمر البروتوكولات، فكتاب أوروبا المعنيون بالقضية اليهودية يعطون أول دليل على صحة البروتوكولات، هو أن المخطط الذي تستند إليه اليهودية العالمية وتطبقه مرحلة بعد أخرى ليتم لها المراد بعد نهاية قرن من الزمان (آخره القرن العشرون هذا) هو ظاهر بارز في الحروب الدولية والانقلابات والأزمات الاقتصادية المفتَعَلة، وإفساد الضمائر التي تستطيع اليهودية العالمية الاستيلاء عليها أو أخْذها تحت جناحها بواسطة الماسونية العالمية.

وما يحتاجه العرب اليوم أشد احتياج ليس البراهين على صحة البروتوكولات ولا على صفة المخطط اليهودي، بل هم محتاجون إلى فهْم هذا ووعْيه، وتوعية الأجيال العربية الجديدة على حقائق اليهودية والإحاطة بهذا بطريقة مجدية، لا مجرد تسلية أو عبث عابر.

وفي كتاب "اليهودية العالمية وحربها المستمرة على المسيحية" (ص 169- 170) بعنوان (تقاليد الفريسيين): ويقول الكاتبان الفرنسيان الأخوان (جان وجيروم تارو) المعروفان بكتاباتهما عن لبنان والشرق: إن لليهود ما عدا الشريعة الموسوية والتوراة كتبًا أخرى وضعها بعض أئمتهم بعد رجوعهم من بابل؛ كالتلمود، والمشنا، والجيمارا، جمعوا فيها أقوال كبارهم، وبنَوا عليها سننًا وآدابًا يلزمونها كشرائع موسى والأنبياء أخذوا كثيرًا منها من تقاليد الفريسيين.

ويقسم اليهود إلى (بروشيم)؛ أي: فريسيين، و(خاسيديم) وفرق أخرى، هذا فضلاً عن السحَرة الذين لا يقبلون من التوراة إلا أسفار موسى الخمسة، ولا يزال لديهم منها نسخة قديمة على ورق سبقت عهد المسيح، وهؤلاء السحَرة لا يوافقون اليهود على حقيقة قيام الأجساد.

ويتبع عامة اليهود في معتقداتهم كتاب "القبالة" أو "كبالا" وهو كتاب سري قديم يعلم مناجاة الأحياء للأموات وتناسخ الأرواح، وقد جاء في التوراة نفسها أن الشعب الإسرائيلي كان شديد الميل إلى الشرك، وقد جنح مرارًا عديدة إلى عبادة الأوثان، ويحض الدين اليهودي أبناءه على الازدياد والتكاثر ولا يتزوجون شرعًا إلا من اليهوديات، ولهم عدد كثير من الأبناء المختلفي الجنس، ومتى دعتهم المصلحة الشخصية والعامة إلى اعتناق المسيحية أو غيرها من الديانات، فإنهم يفعلون ذلك ويظلون غير منحلِّين من قبيلتهم.

اليهودي شخص أناني يسعى في المجتمعات التي يعيش فيها لأن يوحد ثقافتها توحيدًا تامًّا في جميع نواحي نشاطها؛ حتى تذوب منها المميزات العنصرية المؤلفة منها هذه المجتمعات، ويبقى وحده محتفظًا بميزته اليهودية الخاصة التي لا يمكن أن تتحوَّر مهما تقلَّبت عليها السنون والأجيال.

إن اليهودي في الواقع يظلُّ دائمًا وأبدًا يهوديًّا حتى لو أحب الشعوب التي يعيش بينها أو اعتقد أنه قد أحبها حقيقة فإن دمه دائمًا دم يهودي يسيطر على كل تصرفاته وأعماله.

وفي كتاب "الماسونية بلا قناع" (ص 54) بعنوان (الأحمدية والبهائية والماسونية): "آخر ما في الأمر من الفَرْق: أن الأحمدية صنيعة للأجانب من الأساس، بخلاف البهائية، فإن الباب حين ظهر كان ظهوره مبنيًّا على وساوس بيئية متوارثة صحبتها سوداء ملازمة، أو ما يسمونه (هستيريا)، ولكن البهاء بعد وفاة صاحب النِّحلة المسمَّى بالباب طورها، وأضاف إليها ما لم يكن يخطر ببال الباب؛ لأنه أمي بالنسبة إلى البهاء الذي كان يترصَّد ما يتجدَّد في العالم المتمدِّن؛ كالاشتراكية، وحقوق المرأة، وحقوق الإنسان، فينتحل منه ما ينتحل ويزعم أنه من الألواح المنزَّلة على الباب (وكتبنا له في الألواح من كل شيء) ومن هنا مدَّ البهاء يده لكل يد ممدودة، وذلك للاستغلال المتبادَل، وهو في فحوى أغراضه همزة وصل بين الماسونية وبين الأديان، ولكنه احتفظ بالنِّحلة حرصًا على فوائدها.

وقد حصل من تزاوج البهائية والماسونية شعبة مادية وشعبة مطلية بطلاء كهنوتي، وافتدى بمسيح البهائية مسيح الأحمدية وسلك طريقًا أقرب بإبقاء الشريعة الإسلامية على حالها بخلاف البهاء.

(جريدة السجل، بغداد 20 ادار 1953م من مقال للأستاذ الكبير محمود الملاح بعنوان (بمناسبة وقائع مدينة لاهور من مدن باكستان).

وفي كتاب "الماسونية بلا قناع" (ص 63- 66): "فالماسونية كحركة قديمة ترجع إلى القرن الثامن عشر، وكان اليهود هم أول من أنشأها، فقد كانوا يتعرَّضون منذ ذلك الحين لملاحقة السلطات؛ بسبب مؤامراتهم من جهة، وبسبب الاشمئزاز من تصرفاتهم سواء في أعمال الربا واستغلال فقراء المدنيين من جهة أخرى.

فأنشؤوا جمعيات سرية تمكِّنهم من العمل بعيدًا عن متناول السلطات، وجعلوا هذه الجمعيات أشبه بخلايا كل واحدة منها لها مرتبة، ولا يستطيع أعضاؤها التعرُّف بعضهم على بعض إلا بوساطة إشارات معينة، وأعطوا الدرجات العليا في هذه المراتب سلطة مطلقة، وكان السبب في هذه التدابير هو أنه إذا توصلت السلطات إلى اكتشاف أعضاء مرتبة من المراتب أو خلية من الخلايا تعذر عليها اكتشاف الخلايا الأخرى؛ لأن الخلية الدنيا لا تعرف شيئًا عن الخلية التي تليها.

وقد أخذ اليهود نظامهم هذا عن جمعية تعاونية من البنائين، وهذا هو السر في أن الماسونية أو الفريماسونية تعني: البنائين الأحرار، وشعارها: البركار والزاوية.

وقد تطورت هذه الجمعيات مع الزمن، وبعد زوال الأسباب التي أُنشِئت من أجلها، فتحوَّلت إلى جمعيات سرية سياسية لعبت أدوارًا خطيرة ابتداء من القرن الثامن عشر وبصورة خاصة في إنجلترا وفي فرنسا.

ولذا نجد أن معظم المحافل الماسونية في العالم تابعة إلى المحفل الأكبر الفرنسي.

وقد أنشئت محافل كبرى في البلاد العربية، وقيل: إنها محافل مستقلَّة لكن استقلالها لم يكن ينفي وجود صلات بينها وبين أحد المحفلَين في إنجلترا أو في فرنسا.

وما تزال محافل البنائين الأحرار كلها بما فيها المحافل العربية تعتمد على عرش سليمان كرمز للسلطة العليا، وقد كانت المحافل اليهودية تعتمد هذا العرش باعتباره ذا صلة وثيقة بمعتقداتها.

ثم جاءت المحافل الأخرى غير اليهودية فاعتمدت العرش نفسه لكنها نفَت الأديان، وكان هذا النفي جزءًا من المخططات اليهودية في العصور القديمة؛ لكي تضمن تعاون غير اليهود دون أية حساسية دينية تصرفهم عن خدمة أهداف محافلهم، ولضمان سرية العمل في المحافل جعلت أسرار البنائين الأحرار على درجات؛ فالمنتسبون إلى عقيدة البنائين الأحرار حين تم تكريسهم في الدرجة الأولى أو درجة المبتدئ لا يطلعون على أي سر فيما عدا إشارة التعارف للمبتدئ، والتحية التي يجب أن يؤديها عند دخوله المحفل، وطريقة القرع على باب المحفل.

ويجوز لأيِّ محفل أن يعقد اجتماعه على أيِّ مستوى من المستويات، لكن حين يعقد الاجتماع على مستوى عالٍ فإن الأشخاص الذين هم دون هذا المستوى يضطرُّون لمغادرة الاجتماع فورًا حتى لا يطَّلعوا على أسرار المرتبة التي يعقد الاجتماع على مستواها.

وظاهر عمل البنائين الأحرار إنساني وخيري؛ فهم يجمعون الاشتراكات والتبرُّعات لمساعدة المحتاجين واليتامى والعَجَزة.

ومفهوم هذا العمل قاصر على المراتب الدنيا فحسب أما حين يصبح البناء الحر في إحدى المراتب العليا فإنه يدرك أن ثمة عملاً سياسيًّا لم يكن يحس به، وأن ذوي المراتب الدنيا إنما يُسْتَخدمون استخدامًا دقيقًا لخدمة أصحاب المراتب العليا، فإذا رشَّح أحدهم نفسه للنيابة مثلاً فكان عمل البنائين الأحرار جميعًا مساعدة أخيهم في الإنسانية سواء في وسطهم كبنائين أحرار أو في الأوساط الأخرى.

وإذا اتهم أحد كبار البنائين الأحرار بتهمة شائنة أو باختلاس أموال مثلاً كان للشعار القائل: انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا، والبناؤون الأحرار يفسرون هذا الشعار عادة بقولهم: انصر أخاك ظالمًا؛ أي: انصحه واهدِه سواء السبيل، ومظلومًا؛ لأن من حق المظلوم أن يحظى بالعدالة، لكن الحقيقة هي غير ذلك، فالنصرة تكون حتى على الظلم والظلم في مفهوم الدرجات العليا لا يتم عادة إلا لخدمة أهداف البنائين الأحرار ولمكافحة الأعداء السياسيين، ولذا وجبت النصرة بصرف النظر عن أيِّ اعتبار آخر".

وقال الأستاذ الدكتور محمد محمد حسين في كتابه "الروحية الحديثة دعوة هدامة، تحضير الأرواح وصلته بالصهيونية العالمية" (ص 62) تحت عنوان (الروحية والمنظمات الدولية): "ومع ما هو ظاهر من أن أصحاب هذه الدعوة الهدامة يكفرون بالقرآن وبالإنجيل فإنهم يملؤون كتبهم بآيات القرآن والإنجيل التي يحرِّفونها عن مواضعها ويلوونها عن مقاصدها؛ ليديروا بها رؤوس ضعاف النفوس والإيمان من المسلمين والمسيحيين.

وأسلوب الروحيين في هذا الصدد شديد الشبه بأساليب بعض الدعوات المريبة الأخرى التي تجمعها بها صلتها بالصهيونية العالمية؛ مثل: الماسونية، والتسلح الخلقي، وشهود يهوه.

كل هذه الدعوات وأشباهها كالشيوعية والرويتاري والأسود (Lions) والقلم وما شئت من أسماء هذه المنظمات الدولية تلتقي في الدعوة إلى ديانة عالمية تتخذ وسيلة لتحطيم العصبيات الدينية والقومية".

وقال في صفحة (66- 72) تحت عنوان (الروحية والصهيونية العالمية): "إن مصدر هذا الخلط في كل صوره وأشكاله هو الصهيونية العالمية، وقد لا تكون الصهيونية هي المؤسسة للدعوة الروحية وأشباهها؛ فبعض هذه الدعوات نشأ مستقلاًّ عنهم بعيدًا عن سيطرتهم، ولكنهم تمكَّنوا من التسلُّل إليها وسيطروا عليها واستغلوها لصالحهم، وقد تكون الروحية من هذا الضرب، والشيء الذي لا شكَّ فيه هو أن الروحية في وضعها الراهن هي شرَك من شِرَاك الصهيونية العالمية الهدامة، وآلة في يدهم يسخِّرونها لهدْم المسيحية والإسلام على السواء، وهدْم العصبية بكل أشكالها قومية كانت أو دينية؛ لكي يمهدوا لقيام دولتهم الصهيونية التي يتوهَّمونها وسط أنقاض الخراب العالمي والانحلال الشامل الذي يُسَهِّل مهمَّتهم في السيطرة على العالم كله على ما يتخيَّلونه، ويكفي في ذلك أن أذكر القارئ بما نقلته إليه منذ قليل من تلويحهم بالسلام العالمي الذي يبشِّرون به، والطمأنينة والسعادة التي يزعمون أن دعوتهم سوف تتكفَّل بها، وأن يقارن ذلك بما تمتلئ به نشرات (شهود يهوه) اليهودية".

الروحية وشهود يهوه:
فمن هذه النشرات - على سبيل المثال - نشرة لهم بعنوان (أساس للاعتقاد بعالم جديد)، أول ما يطالع القارئ في هذه النشرة كلمات طبعت على الوجه الداخلي للغلاف جاء فيها: "هل قلبك مريض؟ هل هو مُثْقَل بالويلات الغامرة هذا العالم القديم؟ وهل يستريح وتخف آلامه إذا علمت أن نهاية القلق والخوف والشغَب والحرب والمرض أمست قريبة على الأبواب؟ فهل عقلك حر؟ هل هو مستعدٌّ للاقتناع بالحق والصواب؟ أو أنه مغلق عليه بالتعصُّب الوطني أو الجنسي أو الديني؟".

ومما جاء في هذه النشرة الصهيونية أيضًا: "وفي الواقع قام أحد دارسي التوراة وحسب أن هناك ثلاثمائة واثنتين وثلاثين نبوة خاصة في العهد القديم قد تمت حرفيًّا في المسيح، وكما حدثت تلك التتمَّات المدهشة للنبوة عند مجيء المسيح الأول منذ 19 قرنًا نرى نظيرها يحدث الآن في وقت حضور المسيح الثاني، قام الناس في محاولة عقيمة لتوطيد السلام على الأرض وألَّفوا هيئتين دوليتين: عصبة الأمم وهيئة الأمم المتحدة، ولكنهما فشلتا في عمل ما يستطيع ملكوت المسيح وحده أن يعمله، تأمَّلوا كيف تتمَّ النبوة عن الأيام الأخيرة وحضور المسيح الثاني إتمامًا كاملاً بأحوال العالم اليوم، نعم؛ في هذه الأيام الأخيرة من العالم القديم كما سبق يسوع فأنبأ سيقوم شهود يهوه ويبشرون وهم على أبواب عالم جديد بإنجيل الملكوت المؤسس، ويخبرون كيف أن هرمجدون وهي معركة يهوه ستنظِّف الأرض من الشر والإثم، وتفتح الطريق للسلام والسعادة والحياة دون نهاية (ص 51- 52)".

وبمثل ما هاجم الروحيون رجال الدين وبمثل ما ينددون بالتعصب للجنس أو للدين ويملؤون قلوب الناس بالسخط على حاضرهم؛ لكي يهيئوا نفوسهم لقبول ثورتهم القادمة.

تقول نشرة شهود يهوه هذه: "العالم البالي أمسى شبيهًا بغاب كثير الأخطار، فالروح العسكرية العطشى إلى الدماء تجول فيه بخُيَلاء يصحبها السياسيون النفعيون وجبابرة التجار المحتالون ورجال الدين الطُفَيْليون المراؤون وناكِثو العهد الخوَّانون وفاسدو الأخلاق المنحطُّون وقساة القلوب المجرمون، وهؤلاء علاوة على ما تقدم يزرعون فيما بينهم الشوك والعوسج وكل نبات سام؛ كالبغض الجنسي، والتعصب الديني، والتحيز القومي، والتعاليم التجديفية، والإلحاد الشكس، والفلسفات العقيمة، العاملة كلها على خنْق الحق الأبدي المسطر في كلمة الله (ص 54)".

وبمثل ما رأينا الروحيين يدعون إلى التحرر من الدين تقول هذه النشرة: "هذا العالم القديم هو الآن في طور الزوال والاضمحلال، وكل مَن يتمسَّك به سيزول معه، إنما هناك عالم جديد قادم وطافح بالحياة، وكل مَن يناصره سيبقى ويدوم معه إلى الأبد، فهل عقلك حرٌّ كفاية لتراه؟ أم أنه مكبَّل بأصفاد التعصب الذميم فيمتنع حتى عن التفكير فيه ويأباه؟

هل تسمح لكبريائك أن تسبق سقوطك أو أنك تدرك تلك الكبرياء الفارغة وتزيلها من الطريق أمام التفكير الصائب الصحيح؟
هل تستخدم عقلك لتفكر أو تدع تعصبك يعمي بصيرتك؟ (ص 59)".

أدلة أخرى على صلة الروحية بالصهيونية صلات شخصية:
هذا كلام ينطق بأن للصهيونية العالمية أصبعًا في منظمات الروحية، كما أن لها أصبعًا في (شهود يهوه)، وفي كثير من الكتب التي تدسُّ على المسلمين والعرب في مختلف مؤسساتهم، ومع ذلك فإني أضيف إلى هذه الدلالة الصريحة قرائن أخرى تقويها.

ومن ذلك أن أكبر مركز للحركة الروحية الآن هو نفسه أكبر مركز للحركة الصهيونية وهو أمريكا، وكثير من دعاة الروحية ومروِّجيها من المعروفين بصِلَتهم بكبار اليهود.

فالطبيب الدكتور (الكيس كاريلA. carrel مؤلف كتاب "الإنسان، ذلك المجهول" يشغل وظيفة كبيرة في مؤسسة (روكفلر)، فهو المشرف على قسم الأبحاث فيها، و(روكفلر) الصغير المعاصر كما هو معروف يهودي يتستَّر تحت المسيحية، جدُّه الأول القريب يهودي نزَح إلى ألمانيا ومساعدته ليهود فلسطين في الحرب العالمية الثانية مشهورة.

ومسز (مونا رولفMona Rolf سكرتيرة المعهد الدولي للبحث الروحي بلندن كانت وثيقة الصلة بالطبيب اليهودي المتعصب (فرويد)، تدربت تحت إشرافه على العلاج النفسي ثم انتقلت منه فيما بعد إلى العلاج الروحي عقب وفاة ابنها (دافيد).

وقد روى الدكتور (باورز) في كتابه "ظواهر حجرة تحضير الأرواح" (ص 232) من بين البينات المقنعة على صدق ما شاهده من ظواهر أن إحدى الأرواح المزعومة قد استطاعت أن تعطي كلمة السر الماسونية لأحد الملتحقين حديثًا بالماسونية، كما استطاعت أن تكشف عن أسرار ماسونية أخرى (لأحد رجال العشيرة أو لأستاذ ماسوني).

وحقيقة الأمر في ذلك أن هذه الأسرار معروفة للروحيين بحكم أنهم إخوان للماسونية في خدمة اليهودية العالمية الهدامة.

مطابقة مزاعم الروحيين لعقائد اليهود:
ومن أقوى الأدلة على صلة الروحية بالصهيونية العالمية الهدامة المطابقة بين مزاعم الروحيين وبين عقائد اليهود في تصور الثواب والعقاب خاصة، فكلاهما يعتقد أنهما سيكونان في آخر الزمان على الأرض وبمثل ما يبشر (شهود يهوه) بقرب السلام الدائم والنعيم الخالد حين تحكم إسرائيل وتنتصر على أعدائها يزعم الروحيون أن التواصل سوف يزداد حتى يتمَّ ويصبح عامًّا بين الأحياء والأموات.

وعن طريقه سوف يتحقق السلام والطمأنينة الروحية وسعادة القلب والنفس بعد أن تتحطَّم الحواجز بين الشعوب وبين العقائد والأديان ويقذف بعيدًا بالجهل ليحل الحق محله.

وفي كتاب "الروحية الحديثة دعوة هدامة" (ص 72- 73) تحت عنوان (عداء كل من الروحية والصهيونية للكنيسة الكاثوليكية): "ومن أبرز البيِّنات كذلك لي أن الروحية دعوة صهيونية هدامة: أن الروحيين جميعًا يهاجمون المسيحية خاصة ورجال الدين عامة مهاجمة قاسية، تذكرنا بما جاء في المادة الرابعة عشرة من مقررات حكماء صهيون "ويعرض فلاسفتنا كل مساوئ أديان غير اليهود، ولكن لن يحكم أحد أبدًا على ديننا من وجهة نظره الحقة؛ لأنه لا يلم به إلمامًا تامًّا سوى رجالنا الذين لن يخاطروا في أية حال بالكشف عن أسراره".

ويذكرنا كذلك بما جاء في المادة السابعة عشرة: "لقد عنينا خاصة بالعيب في رجال الدين غير اليهود والحط من قدرهم في نظر الشعب، وأفلحنا كذلك في الإضرار برسالتهم التي تنحصر في تعويق أهدافنا والوقوف في سبيلها، حتى لقد أخذ نفوذهم ينهار مع الأيام".

والواقع أن سخرية دعاة الروحية بالأديان ورجال الدين على اختلافهم لا يبرأ منها إلا اليهود، فلا نجدهم مثلاً يهاجمون خرافات التلمود وما تنطوي عليه نصوصه المفتراة على اليهودية من قسوة وخسة وإجرام، وهم يهاجمون الكنيسة الكاثوليكية خاصة لما هو معروف من شِدَّة عدائها لليهود، ومناهضتها للصهيونية، وقوة نفوذها التي مكَّنتها من الوقوف في وجه دعايات اليهود ومكايدهم، وهي قوة مستمدَّة من ضخامة مواردها ومن دقَّة تنظيمها، وهذا العداء واضح في كتب الروحيين مثل وضوحه في منشورات الصهيونية، والكنيسة الكاثوليكية تبادلهم هذا العداء فتحذر أتباعها من قراءة مؤلفاتهم وتفند ألاعيبهم ودعاواهم.

وقال الأستاذ الدكتور محمد محمد حسين في مقدمة كتابه "الروحية الحديثة دعوة هدامة" (ص 6- 7): "الذين يدعون استحضار أرواح الموتى يستحضرون روح المسلم وروح النصارني وروح اليهودي وروح البوذي وغير أولئك، وهؤلاء من أهل الجاهلية على تبايُن نِحَلهم من مختَلَف بقاع الأرض، ويزعمون أنهم يعيشون جميعًا في سعادة وهناء، ومعنى ذلك أن السعادة والهناء لا تتوقف على الدين الذي يختاره الناس لأنفسهم في حياتهم الأرضية، وذلك يؤدي إلى الاستخفاف بالأديان كلها وإلى تكوين مفاهيم دينية جديدة، فما الذي يهدف إليه الداعون بهذه الدعوة من وراء دعوتهم؟

هذا هو السؤال الذي يجيب عليه الكتاب، وسيعلم القارئ من بعدُ أن الجواب عليه لا يتجاوز كلمات، إن الذي يقف وراء هذه الدعوة هو الصهيونية العالمية الهدامة بكل أجهزتها، وفي مقدمتها الماسونية التي تعمل على مَحْوِ العصبيات الدينية والقومية؛ لكي تتمكن من استخدام بلهاء المسلمين والنصارى وغيرهم من أهل النِّحَل على اختلافها في خدمة أهدافها تحت ستار الإنسانية التي تجمعهم جميعًا، ولكي تمحو من وجه الأرض كل عصبية، فلا تبقى إلا عصبية اليهود لدينهم ولقوميتهم، وعند ذلك يصبح العالم بأسره أمام اليهود قطيعًا من الأغنام، لا تجمعه جامعة ولا تربطه رابطة يسوقونهم إلى حيث يريدون".

ويقول الدكتور محمد محمد حسين في كتابه: "الروحية الحديثة دعوة هدامة" (ص 86- 87): "إن الصهيونية العالمية الهدامة التي تجذب الخيوط من خلْف الستار، وتحرك الدُّمَى التي نراها تتحرك على المسرح، داعية إلى المجتمع الجديد لا تريد أن تبقي في المجتمع القديم على شيء، لغته وأدبه وفنونه ونُظُمه وأنماط حياته وخلقه ودينه، كل شيء فيه.

وبعض هذه الدُّمَى يظن في نفسه ويظن به الغافلون من الناس أنه هو الذي يتحرك، وأنه هو الذي يقول وهو الذي يفكر ويعمل؛ لأن الأيدي الهدامة الخبيثة لا تحركه بطريق مباشر، فهو متأثر بما يقرأه لأسماء كبيرة في أعين الناس من مروِّجي الدعوات الهدامة، وهؤلاء يهدمون المجتمع القديم في كل ما ذكرته وما لم أذكره من مقوِّماته؛ ليجعلوا مكانها العالمية التي يلوحون بها للناس ويزعمونها مفتاح الأمن والطمأنينة والسعادة والسلام".

وقال الأستاذ محمد عبدالله عنان في كتابه "تاريخ الجمعيات السرية" (ص 84): "وفي منتصف هذا القرن[4] ظهرت حركة الروحيين الحديثة، وكان ظهورها في العالم الجديد بادئ بدء، ولم تعنَ هذه الحركة بأمور لم يعنَ بها الأقدمون أو لم تتناولها دعوة الخفاء القديمة، فقد شهد التاريخ في جميع عصوره محاولة النفاذ على عالم الغيب والاتصال بأرواح الذاهبين والتكلُّم عن المبعوثين والمظاهر الملكية.

وكان الأقدمون يعالجون الاتصال بها من طريق التوسل بالآلهة والقديسين أو من طريق السحرة والشياطين، ولكن الروحيين المعاصرين يترفَّعون عن هذه الخرافات ويثورون سخطًا وإباء إذا ما وصمتهم بالسحر، ويجيبون أن السحر مهزلة عتيقة تستند إلى علم خرافي، وأنهم جماعة وضعية تُعْنَى بالتجارب والمباحث العلمية، وأن محاولة الاتِّصال بروح ذاهب من طريق (الوسيط) ليست في شيء من المستحيل أو الخارق كما أن المخاطبة التليفونية أو اللاسلكية بين باريس ونيويورك ليست مستحيلة أو خارقة، والواقع أن حركة الروحيين قد استطاعت أن توطِّد قدمها في أميركا وأوربا، وأن تظفر بتأييد كثير من المفكرين النابهين.

بيد أنها ما زالت تثير ريب الدوائر العلمية، وما زال العلماء في أوربا وأميركا يمطرونها وابلاً من الإنكار والسخرية.

وليس من موضوعنا أن نُعْنَى بهذه الحركة خصوصًا وأننا نميل إلى إنكارها بشدة، بيد أننا نشير إليها فقط باعتبارها طورًا من أطوار الخفاء الذي اتخذ في القرن الثامن عشر آلة نافذة لبث الدعوات السرية، وقد لا يكون من المستحيل أن وراء هذه الحركة الخفية دعوة لا يستطيع الجيل الحاضر أن ينفذ إلى سرها الدفين".

وفي كتاب "تاريخ الجمعيات السرية والحركات الهدامة"؛ لمحمد عبدالله عنان (ص 70- 72): "ومنذ فاتحة القرن السادس عشر هبت على جميع المجتمعات الأوربية ريح عامة شاملة من دعوة الخفاء، وظهر السحَرة في كل مكان، ونشطوا إلى بثِّ تعاليمهم ومعتقداتهم بين العامة فضلاً عن الخاصة والسادة، فنشطت السلطات الدينية والمدنية في مختلف الدول إلى مطاردتهم اتقاء لما ينالها بسبب تعاليمهم من أسباب الانحلال والتقويض، ففي سنة 1515م أحرق في جنيف خمسمائة ساحر في ثلاثة أشهر فقط، وأحرق في هامبورج ستمائة وفي فرتمبورج ثمانمائة، وقضى برلمان تولوز بإحراق أربعمائة في حكم واحد.

وكانت معظم طوائف السحَرة في فرنسا تجتمع في الأقاليم النائية، مثل (غسقونية) و(نورماندي) و(الفلاندر) و(دوفينه).

ويعتقد جان بودان واضع سيرة السحرة أن عددهم كان يبلغ في ذلك الحين في مختلف الأمم زهاء مليونين، وكانت فكرة السحر الجوهرية في هاتيك العصور هي محالفة الشيطان.

وهذا الميثاق إما صريح وإما ضمني، وكل مَن قام بأعمال شيطانية يعتبر أنه قبل سيادة الشيطان، ونتيجة هذا الميثاق إنكار التنصير؛ إذ إن الشيطان على قولهم يمحو آثار الرسوم القدسية ويضع مكانها طابعه الخاص، ويجب على العضو طبقًا لهذا الميثاق أن يشهد الشعائر الرسمية والقداس الأسود، وأن يشترك في ارتكاب جرائم التدنيس والقربان الدموي بسفْك الدماء البشرية وغيرها من صنوف الفجور والإباحة.

وأصل هذه الدعوة السرية إلى الخفاء والسحر محوط بالغموض وإن لم يكُ ثمة شك في غايتها الجوهرية وهي هدْم تعاليم النصرانية الروحية ومبادئها الأخلاقية، وتقويض النظم الاجتماعية من أسسها، فيرى بعض الباحثين مثل (ديشان) أن هذه الدعوة ترجع إلى تعاليم (الكابالا) السرية وهي التعاليم العبرية في أمور الخفاء ومدارك الغيب، ويضيف البعض الآخر إلى ذلك أن هذه الدعوة التي اجتاحت أوربا مدى قرون ثلاثة لم تكن سوى أثر من الجهود السرية التي يقال: إن اليهود يبذلونها منذ ظهور النصرانية والإسلام في سبيل هدمهما انتقامًا لدينهم.

ويرى بعض المفكرين المسلمين هذا الرأي فيما يتعلق بدعوات الهدم الإسلامية، ولاسيما دعوة (عبدالله بن ميمون) التي أسفرت كما رأينا عن انفجار أعظم حركات هادمة عرفها الإسلام فيقولون: إن اليهود هم الذين نظموا مقاومة الإسلام منذ ظهوره، وحشدوا الدعاة لإفساد تعاليمه، وأن (ميمون بن ديصان) وولده (عبدالله) كانا يعملان على بثِّ مبادئهما السرية في الإلحاد والهدم بتحريض وتعضيد من الدعاة اليهود، والواقع أن نفوذ اليهود استفحل في أوربا في القرن الخامس عشر، وغدوا قوة حقيقية في أسبانيا والبرتغال وإيطاليا، ونفذوا في منتصف القرن الخامس عشر إلى دوائر (فيرنتزا) العلمية التي كانت زاهرة في ذلك الحين وأسس علامتهم (إسحاق لوريا) المدرسة الكابالية الحديثة في إيطاليا في منتصف القرن السادس عشر، وصِيغَت تعاليمه إلى منهج عملي للاتصال بعالم الغيب وكتابة الطلاسم وشعوذة الأرقام والحروف.

وعلى الجملة فقد كان اليهود أساتذة السحر وأقطابه في القرون الوسطي.

ويقول (فولتير): "كان اليهود هم الذين يلتجئ إليهم عادة في تأدية الشؤون السحرية، وهذا الوهم القديم يرجع إلى أسرار الكابالا التي يزعم اليهود أنهم وحدهم يملكون أسرارها.

وكانت (كاترين دي مديتشي) والماريشال (دانكر) وكثيرون غيرهما يستخدمون اليهود من أجل هذا الامتياز.

وتهمة السحر الأسود هذه تنسب إلى اليهود منذ أقدم العصور، وكثيرًا ما اتهموا بتسميم الآبار وارتكاب القتل لإجراء الرسوم السحرية، واستخدام الآنية الكنسية المسروقة لأعمال التدنيس.

وإذا كانت تشوب هذه الروايات مبالغة يمليها التحامل القومي ووهم القرون الوسطى فليس من ريب في أن اليهود قد جعلوا أنفسهم موضعًا للريب والشبه بالانهماك في مزاولة فنون السحر، وأكثر من ذلك أن التوسُّل إلى الشياطين فكرة يهودية في الأصل بل هو من تقاليد اليهود ومعتقداتهم القومية".

ما قيل أو عمل في المحفل لأن هذا الإفشاء بالشريعة الماسونية التي توجب الكتمان.

وتحمل الماسونية أهدافًا لا تستطيع الجهر بها مهما تبدَّلت المجتمعات وتطوَّرت مفاهيمها، إن نمو معظم الحركات الإصلاحية قد مرَّت في دور من أدوارها في نوع من السرية ولكن لا نجد جمعية حافظت على سريتها في جميع الظروف وخلال آلاف السنين سوى الماسونية، وظلت الجمعية الماسونية تحافظ على سريتها؛ وذلك لأنها لم تصل إلى أهدافها الحقيقية.

ولقد كان على طالب الدخول في الماسونية أن يقسم الأيمان المغلظة عند التكريس بأن لا يبوح بأسرار العشيرة والحرفة، فكان يضع يده على الكتاب المقدس (التوراة) يحمله أحد المرشدين ويتعهَّد بإخفاء جميع ما دفع إليه من الأسرار.

وفي الاطلاع على صيغة القسم الذي يؤديه العميان من الماسونيين ما يظهر مدى اهتمامهم بإخفاء أسرار الماسونية عن الناس، بل ومدى إخفاء أصحاب المراتب العليا أسرارهم عن أصحاب المراتب الدنيا من الماسونيين.

فقد جاء في القسم الماسوني قوله: أقسم بمهندس الكون الأعظم أنني لا أفشي أسرار الماسونية ولا علاقاتها ولا أقوالها ولا تعاليمها ولا عاداتها، وأن أصونها مكتومة في صدري إلى الأبد، وأقسم بمهندس الكون الأعظم أن لا أخون عهد الجمعية وأسرارها، لا بالإشارة ولا بالكلام ولا بالحركات، وأن لا أكتب شيئًا منها ولا أنشره بالطبع أو الحفر أو بالتصوير، وأرضى إن حنثت بقسمي بأن تحرق شفتاي بحديد محمى، وأن تقطع يداي ويحز عنقي وتعلق جثتي في محفل ماسوني ليراه طالب آخر وليتَّعظ بمثله، ثم تحرق جثتي ويذر رمادها في الهواء لئلا يبقى أثر من جنايتي"[5].

وقد جاء في كتاب "السر المصون في شريعة الفرمسون"؛ للأب (لويس شيخو) اليسوعي قوله: إن الماسونية شركة سرية سياسية غايتها تقويض أركان كل سلطة دينية كانت أو مدنية.

ثم قال: ومن الدليل عليه ما يألفه أشياع الشركة - أي: الماسونية - من العلامات السرية بينهم في المصافحات والسلامات وعِدَّة علامات لا نعرفها ويتعارفون بها، وقد نقل تأييدًا لذلك عن بعض أقطابها أقوالاً كمثل قول كبير المقدمين في مجلس الشرق الأعظم في باريس: إن قوة الماسونية تتوقَّف خصوصًا على محافظة أعضائها على أسرار مباحثاتها.

وقال (لويس شيخو) في الاستدلال على سرية الماسونية أيضًا: ومنها أيضًا إخفاء الماسونية عن الغرباء لا بل عن أصحاب الدرجات الأولى من الماسونية أسماء المنتمين إلى الشيعة الماسونية"[6].

"يعتقد المؤرخون أن النزعة الشيوعية التي سماها (كارل ماركس) الاشتراكية العلمية تعود في أصولها إلى أغوار الماضي البعيد، إلى القرن الخامس قبل الميلاد، حيث كان لها مجال البحث والمناقشة على عهد (أفلاطون) الذي نجد في جمهوريته لمحة عن المُثُل الاشتراكية الخيالية، كما أن السير (توماس مور) قد عالجها في أوائل القرن السادس عشر، وكذلك كان لها مثل هذه الجذور قبل الإسلام في بلاد فارس؛ حيث ظهر مزدك عام 487م في مدينة (نيسابور) فنشر تعاليمه الاشتراكية وكان يقول: إن الناس وُلِدوا سواء فليعيشوا على قدم المساواة، وكان يقول: أهم ما تجب فيه المساواة المال والنساء.

ويقول (الشهرستاني) عن (مزدك) أنه كان ينهى عن المباغضة والاختلاف والقتال، ولما كان مردُّ ذلك إلى النساء والأموال فقد أحلَّ النساء وأباح الأموال، وجعل الناس يشتركون في أموالهم ونسائهم اشتراكهم في الماء والهواء.

وفي "تاريخ الطبري" وصف للحركة المزدكية يتلخص بما يلي: قال (مزدك) وأصحابه: إن الله جعل الأرزاق في الأرض ليقسمها العباد بينهم بالمساواة، ولكن الناس تظالموا فيها.

وزعموا أنهم يأخذوا للفقراء من الأغنياء، ويردون من المكثرين على المقلِّين، وأن مَن كان عنده فضل من الأموال والنساء والأمتعة فليس هو بأَوْلى به من غيره، ولقد ارتضى السفلة ذلك واغتنموه - هذا ما يقوله الطبري - وكاتفوا (مزدك) وأشياعه وشايعوهم، فابتُلِي الناس بهم وقوي أمرهم حتى كانوا يدخلون على الرجل في داره، فيغلبونه على منزله ونسائه وأمواله، وكان ما أمر به (مزدك) الناس وزيَّنه لهم وحثَّهم عليه التأسي في أموالهم وأهلهم.

وذكر أن ذلك من السير الذي يرضاه الله ويثيب عليه أحسن الثواب، وأنه لو لم يكن الذي أمرهم به وحثهم عليه من الدين، لكان مكرُمة في الفعال".

وقد لوحظ أن لهذه التعاليم خصوصًا ما له علاقة بالمساواة في الأموال صبغة اشتراكية ظاهرة، وقد اعتنق مذهب (مزدك) آلاف من الناس، وكان (قباذ) كسرى الفرس قد أيَّده أول الأمر ثم انصرف عنه وقتله هو وأصحابه سنة 523 ميلادية.

وحين ظهرت الفِرَق الإسلامية الباطنية في القرن الثالث الهجري ظهرت هذه النزعة الاشتراكية عند معظم هذه الفِرَق، وكانت أبرز ما تكون عند القرامطة، وهم فرع من فروع الإسماعيلية اقتصرت حركتهم على العرب والأنباط من سكان العراق وسوريا والجزيرة العربية، وامتازت بنزعتها الاشتراكية التي زعموا أنها تحقيق للعدل والمساواة بين الناس.

ويعتقد المؤرخون أن حركة القرامطة حركة ثورية اشتراكية قادها (حمدان قرمط) في ضواحي واسط بين الكوفة والبصرة، وهي منطقة خصبة للدعاوى الثورية؛ لأن سكانها يتألفون من خليط من العرب والأنباط والزنج المستعبدين، فأسس (حمدان) دارًا سماها دار الهجرة يجتمع فيها أتباعه ويؤدُّون بعض الضرائب، منها ضريبة زكاة الفطر تجبى للإمام المحجوب، وضريبة الهجرة لتأمين حاجات الدار، وضريبة الخمس للاشتراك في عشاء المحبة؛ أي: في أكل خبز الفردوس، ولقد انتهى الأمر بأتباع (حمدان) إلى أن جعلوا كلَّ ما يملكون مشاعًا بين الجميع ولم يعد أحد يملك إلا سيفه وسلاحه.

ولما رأى (حمدان) الإقبال على جمعيته قويًّا نظمها تنظيمًا دقيقًا، وراح يبثُّ الدعاة في الخارج؛ فأوفد (ذكروية الدنداني) إلى العراق و(أبا سعيد الجنابي) إلى جنوبي العجم والبحرين، ولم يكن (حمدان) و(ذكرويه) و(أبو سعيد) سوى المنفذِّين لأوامر دعاة أعلى منهم مرتبة - هكذا يقولون - ولم يكونوا ليعرفوا بأسمائهم بل بألقاب مستعارة؛ كـ(صاحب الظهور) و(صاحب الناقة) و(صاحب الخال)، وقد أنشؤوا الخلايا السرية في أنحاء متعددة من بلاد الخلافة الإسلامية، وأوقدوا ثورات كثيرة أهمها ثورة (ذكرويه) في صحراء سوريا عام (288هـ- 900م) وثورة خراسان عام (290هـ- 902م) لكن الخليفة العباسي كان قويًّا فأخمدها كلها بالعنف، وهمدت الحركة في العراق بعد موت (ذكرويه) عام (294هـ- 906م).

أما في الأحساء والبحرين حيث كان (صاحب الناقة) قد أرسل (أبا سعيد الجنابي) فصادفت الحركة نجاحًا قويًّا، ولم يحلَّ عام (288هـ- 900م) حتى كان (أبو سعيد) قد استولى على تلك البلاد وجعل منها جمهورية شيوعية وراح يهدد البصرة وبغداد.

وبعد موت (أبي سعيد) خلفه ابنه (أبو طاهر سليمان)، وأخذ يزحف تارة على البصرة وبغداد، وطورًا على الحجاز والحرمين، ويهدد طرق الحج حتى عمَّ الذعر جميع أطراف الخلافة، وفي عام (318هـ- 930م) دخل (أبو طاهر) مكة المكرمة وأخذ يقتل أهاليها ومن فيها من الحجاج من رجال ونساء وهم متعلقون بالكعبة، وردم بهم بئر زمزم، وفرش بهم المسجد وقتل في سكك مكة وشعابها من المغاربة وأهل خراسان وغيرهم زهاء ثلاثين ألفًا وسبى من النساء والصبيان مثل ذلك، ونهب جميع ما في مكة والمدينة من حلي وجواهر وكنوز، كما نهب الحجر الأسود الذي ظل عشرين سنة بعيدًا عن الكعبة، ولم يرجع إليها إلا بأمر من المنصور الخليفة الفاطمي، ويتحدث تاريخ الفلسفة العربية عن العلاقة المتينة التي تربط القرامطة بالمذهب الاجتماعي (لمزدك) و(بابك) وكان هذا المذهب قائمًا على شيوعية الملك.

وذكر بعض المؤرخين عن حالة (القرامطة) في الأحساء: أن كل شيء كان عندهم شائعًا إلا السيوف، ولم يكتفِ (القرامطة) بشيوعية اقتصادية أو اجتماعية بل جعلوها أيضًا شيوعية إلحادية، على نفس المنهج الذي سار عليه (كارل ماركس) وتلامذته بعد تسعة قرون من ظهور (القرامطة)، فقد ثبت تاريخيًّا أنه لم يكن للقرامطة دين أو شعائر دينية، وقد أسلفنا أن (أبا طاهر) ضرب الكعبة ودكَّ أركانها ليجهز على المسلمين الذين سماهم كفَرة وعبَدة أحجار، وذكر (ابن الجزار) أن أحد أصحاب أبي طاهر دخل بيت الله الحرام وصاح بالموجودين فيه: أيها الحمير، إنكم تسجدون للحجارة وتطوفون حولها، وترقصون إكرامًا لها وتمسحون وجوهكم بها، وفقهاؤكم الذين تتفقَّهون عليهم لا يعلمونكم شيئًا خيرًا من هذا، فلم يبقَ لمحو هذه الخرافات إلا هذه السيوف، والسلام.

ومع هذا فقد شهد الرحالة الفارسي (ناصر خسرو) كما شهد مؤرخون آخرون: أن (القرامطة) كانوا متسامحين إلى أقصى حدود التسامح، فلا يمنعون أحدًا من إقامة الصلاة، أما هم فلا يقيمونها، وهذا يدل على أنهم أرادوا أن يتسللوا إلى قلوب الناس عن طريق إثارة الأحقاد الاقتصادية والاجتماعية فقط، حتى إذا بلغوا ما يطمحون إليه من قوة وتسلط، منعوا على الناس عباداتهم وهدموا مساجدهم، كما فعل (أبو طاهر) في البيت الحرام، وهذا ما يفعله اليوم وبالضبط دعاة الشيوعية والاشتراكية في العصر الحديث"[7].

وقال (أفلاطون) في جمهوريته (حوالي عام 380 قبل الميلاد): "يجب أن يشتمل النظام على اشتراكية النساء والأولاد، فليس لأحد الحق بإنشاء أسرة مستقلة كما ليس له الحق بتربية الأولاد؛ لأن الجميع ملك الدولة وهي وحدها تشرف على تنشئة العضو الصالح كما تشرف على إنجاب النسل المختار".


جبهة انقاذ الوطن العربى

0 التعليقات

ضع تعليق

Copyright 2010 جبهة انقاذ الوطن العربى Designed by الجبهه